“خبير الإرهاب”..!!
علي اليوسف
مع كل يوم يرتفع منسوب القلق داخل الدول والقوى المتأثرة بانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، لأن أول ما يتبادر للذهن هو الموضوع المتعلق بالإرهابيين الذين أهّلتهم ودربتهم القوات الأمريكية في تلك البقعة من الأرض على مدى عشرين عاماً من الاحتلال، وهو ما يحتاج إلى “جهة خبيرة” تستطيع إتمام هذه المهمة وتحديداً في مطار كابول.
هذه “الجهة الخبيرة” لا شك أنها تجسّدت بالنظام التركي ورئيسه رجب طيب أردوغان، الذي بات اسمه مرتبطا بشبكات الإرهاب التكفيري لجهة دعمها وتمويلها ونقلها من مكان إلى آخر، أو تدويرها حسب الحاجة الوظيفية لتلك الشبكات. لكن لماذا وقع الاختيار على أردوغان رغم أن القوات الأميركية خلال عشرين عاماً رعت ودرّبت وسلّحت مئات آلاف العسكريين الأفغان؟ من الواضح أن واشنطن على علم مؤكّد بأن طالبان سوف تسيطر على كامل أفغانستان مع العاصمة والمطار، وفي هذه الحالة يحتاج المطار إلى حماية واحد من حلفاء حركة طالبان، وأردوغان قد يكون أكثر طرف تتوفّر فيه هذه الشروط.
وربما يكون الأمر أبعد من ذلك بكثير، أي ليس فقط حماية مطار كابول، بل وتأمين نقل الإرهابيين الذين لديهم خبرات في إثارة الفتن وتنفيذ الأعمال الإرهابية وخلق الفوضى، إلى الداخل الأفغاني، والنظام التركي له باع طويل في نقل مثل هؤلاء الإرهابيين، فهو مسؤول وبشكّل مؤكد عن إدخال الإرهابيين إلى سورية وليبيا. لذلك إذا كان هناك قرار دولي لحل الأزمة في ليبيا، فمن الطبيعي أن تكون الأولوية لسحب الإرهابيين والمسلحين، وهو السيناريو ذاته الذي سينطبق على سورية، أي أن الوجهة القادمة للإرهابيين ستكون أفغانستان ما بعد الانسحاب الأمريكي، وأردوغان سيكون في هذه الحالة عراب النقل وحامي مطار كابول.
وهذا يقود إلى فرضية أخرى هي أن الاتفاق الأمريكي – التركي هدفه خلق مجموعات متطرفة مع استغلال الموجود منها لنقلها إلى المناطق التي تريد أن تخلق الأزمات فيها، وما دامت جغرافية أفغانستان برية مغلقة، فلا يوجد وسيلة لنقل الإرهابيين إلى أفغانستان إلّا جواً، وعبر مطار كابول بالتحديد.
وأمام هذه المعطيات من الطبيعي أن يكون أردوغان هو المطلوب لتنفيذ الأجندة الأميركية، لأن تجاربه في سورية وليبيا وناغورني كارباخ تثبت ذلك، وما يعزز هذه الفرضية هو رفض الرئيس الأميركي جو بايدن الرد على أسئلة الصحافيين حول أفغانستان خلال الاحتفال بعيد الاستقلال، 4 تموز الفائت، وتحديداً فيما يخص الترتيبات العسكرية التي تجريها واشنطن مع أنقرة بشأن حماية مطار كابول.
ربما يكون رفض بايدن الإفصاح عن الاتفاق مع النظام التركي هو عدم تكرار أخطاء فيتنام حين هرب السفير الأميركي من سايغون – نيسان 1975 – بطريقة مهينة، وتم إلقاء المتعاونين مع المحتل الأمريكي من سطح مبنى السّفارة. وهو على الأغلب السبب الأكثر ترجيحاً، خاصة بعد تناول صحيفة “واشنطن بوست” في 25 حزيران 2021 هذا الجانب بالتحديد، بالإضافة إلى عدد من القادة العسكريين ومنهم الأدميرال المتقاعد جيمس ستافريديس الذي حذر في مقال على موقع “وكالة بلومبيرغ” في 22 حزيران 2021، من تجدّد ذكريات تصفية الموالين لواشنطن في حرب فيتنام بالقول: “لا ينبغي أن يعيد التاريخ نفسه”.
في مقابل ذلك، فإن قبول أردوغان بهذه المهمة له أسبابها الخاصة، فمن جهة يعتبرها فرصته الذهبية للحصول على موطئ قدم في بلد قريب جداً من جمهوريات آسيا الوسطى وأصولها التركمانية. ومن جهة ثانية لا يخفي أردوغان نياته بإحياء “الخلافة العثمانية” والتمدّد في أراضي الغير بما فيها أفغانستان، خاصةً أن النفوذ التركي المباشر في أفغانستان يعود إلى نحو 20 عاماً، أي مع بدء العدوان الأميركي على البلاد، بمعنى أن الدور التركي في أفغانستان لا يعدو غطاءً سياسياً لاستمراره. ولكن في جميع الحالات، وأياً كانت التحركات التركية في أفغانستان، فقد بات واضحاً أن الرئيس التركي كان، وسيبقى، مصدر القلق.