تكلفة اجتماعية باهظة للبلدان النامية من مراكمة النقد الأجنبي
عرف العالم منذ ثمانينيات القرن الماضي تسابقاً محموماً نحو مراكمة احتياطيات النقد الأجنبي وفق وتيرة تتسارع وتتباطأ بحسب السنوات، حيث وصلت هذه الاحتياطيات في العالم إلى أكثر من 13 تريليون دولار عام 2020، في حين لم تكن تتجاوز 410 مليارات دولار عام 1980، ويمثل الدولار الأميركي على الدوام أزيد من نصف هذه الاحتياطيات.
وقد أدت هذه الدينامية إلى نتيجتين أساسيتين أوقعتا اقتصادات البلدان النامية في مصيدة لم تستطع الانفكاك منها إلى الآن، وهما؛ أولا: تبني نموذج اقتصادي وتنموي موجه نحو التصدير، والارتهان للأسواق الخارجية من أجل الحصول على النقد الأجنبي. وبالمقابل، إهمال الطلب الداخلي واحتياجات السوق المحلية ورهن الاقتصاد القومي بقدرات البلدان الأخرى على تأمين السلع الضرورية والإستراتيجية (خصوصا الأغذية) بدلاً من السعي وراء تحقيق الاكتفاء الذاتي منها.
وثانياً: ضرورة استثمار هذه الاحتياطيات في أصول ذات سيولة كبيرة ومخاطر منعدمة من أجل ضمان تسييلها (تحويلها إلى الحالة النقدية) بسرعة وقت الحاجة، لكن عائداتها تكون متدنية أو شبه منعدمة أحياناً، وبالتالي تضيع فرصة استثمار تلك الأموال في مشاريع إنتاجية تدر أرباحاً أكبر، أو في تمويل مشاريع البنية التحتية التي تعزز قدرة البلد على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. ولقد سبق أن أشار الاقتصادي المعروف داني رودريك – في دراسة اقتصادية قياسية جادة- إلى التكلفة الاجتماعية الباهظة التي تتكبدها البلدان النامية من جراء الحاجة إلى مراكمة احتياطيات النقد الأجنبي. وتتمثل هذه التكلفة الاجتماعية في الفرق بين العائدات المتأتية من حيازة الأصول الأجنبية (سندات الخزينة الأميركية على سبيل المثال) والربح الممكن جنيه مثلاً من خلال الاستثمار في أصول محلية وفي الاقتصاد الوطني بشكل عام، وأوضح رودريك أن هذه التكلفة تصل تقريباً إلى نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي للبلدان النامية مجتمعة، وقد تبلغ عدة نقط مئوية بالنسبة لبعض البلدان. والذي يزيد من التكلفة الاجتماعية التي سبق الإشارة إليها، ألا وهو التضخم المترتب على ارتفاع أسعار المواد الأولية والسلع الأساسية عالمياً، مما يؤدي إلى تآكل قيمة هذه الاحتياطيات، حيث تكون العائدات الحقيقية بعد خصم معدل التضخم رقماً سالباً.