الكيان الصهيوني وصراع المياه
محمد نادر العمري
برزت الكثير من المعطيات التي تبنّتها مراكز الدراسات والأبحاث المقرّبة من صنع القرار في منطقة الشرق الأوسط والدول الغربية، تؤكد أن طبيعة الصراع وأدواتها وأشكالها تتغيّر مع تقدم مراحل الفترات الزمنية، ومن بين الأمثلة الواردة في هذا الإطار حرب المياه التي -وفق هذه الدراسات- ستحلّ محل حرب النفط التي سادت خلال العقود السابقة، وخاصة في ظل ما تشهده الكرة الأرضية من تغيرات في طبيعة المناخ نتيجة ارتفاع حرارتها واستمرار الدول المتقدمة في تفضيل ريادتها الصناعية بغضّ النظر عن الآثار المترتبة عليها.
حرب المياه هذه، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، استغلتها الولايات المتحدة الأمريكية لفرض الكيان الإسرائيلي وتحقيق مصالحه، وهذا الفرض تمثل في عدة صور وتعبيرات تبنّها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، حيث تمثلت أولى تلك الصور بدعم التوسع العدواني للكيان الصهيوني من خلال عدوان 1967 والذي عُرف بالنكسة، لذلك جهدت حكومة الاحتلال الإسرائيلية في تلك الفترة للاعتداء على سورية والأردن ومصر وسلب أجزاء مهمّة منها من الناحية الجغرافية والعسكرية والأمنية، وضمن المشروع الصهيوني إقامة دولتهم المزعومة “من النيل إلى الفرات”، ولكن في الوقت نفسه هذه الدول فقدت، نتيجة هذا العدوان، مواقع حيوية في مصادر المياه، فالجولان بما يمثله من مرتفع جبلي يحتوي على مياه جوفية وسهل يطل على بحيرة طبرية ومناخ غزير بالثلوج والأمطار، بات اليوم يشكل مصدراً لتغذية الكيان بما نسبته 21% من مصادر المياه، وكذلك نهر اليرموك في الأردن الذي بات تحت السيطرة الفعلية للكيان، في حين أن الداخل الأردني تحت خط الفقر مائياً ويعاني من تصدع في أمنه المائي، لذلك قام بإنشاء محطات ضخ لسحب مياه نهري الليطاني والحاصباني التي تصبّ في نهر الأردن، في حين أن أهداف العدوان على مصر عام 1956 وعام 1967، كانت تتمثل بالسيطرة على قناة السويس والسيطرة على رأس البحر الأحمر وخاصة تيران والصنافير اللتين باتتا اليوم في عهدة السعودية ضمن صفقة بدأت ملامحها تظهر مع إعلان ما سُمّي بصفقة القرن.
ومع مرور الزمن سعى الكيان الصهيوني للضغط على العرب بالمياه من خلال عقد مجموعة من الاتفاقات، كان أبرزها التوصل لاتفاق مع تركيا عام 1992 لمدّ خط للأراضي المحتلة الفلسطينية عبر البحر، رغم الخلافات المتفاقمة التي حصلت في تلك الآونة بين تركيا من جانب وبين سورية والعراق من جانب آخر، حيث صرح رئيس الوزراء التركي في تلك الفترة سليمان دميرال أثناء تدشين سد أتاتورك الذي ساهم في تصميمه عدد من المهندسين الصهاينة، وفي مقدمتهم معاون وزير الري الإسرائيلي “شارون لوزوروف” عام 1992: “كما يبيع العرب بترولهم، فنحن أيضاً يحق لنا أن نبيع مياه أنهارنا”، ومنذ ذلك الحين عملت أكثر من 67 شركة صهيونية لتقديم الاستشارات والخدمات الهندسية لتركيا في المياه، وخاصة على ضفتي الفرات ودجلة.
كما أن أزمة سد النهضة التي تفاقمت رحاها اليوم تعود لبداية ستينات القرن الماضي عندما رفض الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر شروط البنك الدولي لتمويل السد العالي وبعد فشل العدوان الثلاثي على مصر، قدم عدد من الخبراء الصهاينة مشروعاً للإدارة الأمريكية تبنّته وزارة الخزانة الأمريكية لإقامة سد في أثيوبيا يكون رهن الضغط على مصر في حال دخولها الحرب ضد الكيان قبل اتفاق كامب ديفيد، وللضغط عليها لتنفيذ بعض المطالب وتعديل مواقفها بعد الاتفاق. يذكر أن هناك 150 مهندساً صهيونياً اليوم موجودون في مكان السد، ومن بين الذين شاركوا في تصميمه المهندس يوشع باخ كالي.
وقبل التوصل لخطوات ومراحل اتفاق صفقة القرن بين عامي 2018 و2019، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” عام 2016 أن الكيان الصهيوني دخل مباحثات جدية مع عدد من الأنظمة الخليجية حول مشاريع تتعلق بالمياه، منها تحلية المياه لدول الخليج عبر شركات إسرائيلية، وقيام الكيان ببيع المياه لدول الخليج، وإقامة تعاون مشترك على خطوط مسارات الأنهر بما في ذلك دجلة في العراق والنيل في مصر وبعض الدول الإفريقية.
إذاً المتتبع لمسار الصراع العربي الصهيوني، يدرك أن الأخير لم يترك وسيلة إلا ووظفها للضغط على العرب، سواء عبر الحروب والاعتداءات من خلال سلب الحقوق، أو عبر معاهدات ما سُمّي بالسلام، أو عبر علاقات الكيان مع الدول الإقليمية لدول الطوق سابقاً ودول محور المقاومة اليوم، أو عبر ما خفي من علاقات بينية بين دول مطبعة والكيان، وهو ما يطلق عليه في العامية “وما خفي كان أعظم”!!.