أزمة الوقود تحوّل حياة اللبنانيين إلى سيناريو مرعب
أتت أزمة الوقود بلبنان في ذروة الأزمات التي يعيشها البلد، حيث حولّت حياة اللبنانيين إلى سيناريو مرعب على وقع الانفجار الأخير الذي خلف عشرات الضحايا في محطة بنزين وشجارات تحدث بين الحين والآخر تنتهي بالقتل والإصابات تدافعاً لتعبئة البنزين، فقد وقعت مشاجرة أمام محطة للمحروقات في بلدة عين بعال في قضاء صور جنوب لبنان، اليوم الاثنين، على خلفية تعبئة البنزين.
وتدخل الجيش لفض المشاجرة فأصيب عسكري بجروح كما أصيب عاملان في المحطة، وتم نقل الجرحى إلى أحد مستشفيات المنطقة لتلقي العلاج، فيما أوقفت عناصر الجيش المعتدين.
يذكر أن المشاجرات عند محطات الوقود تتكرر بشكل شبه يومي منذ قيام مصرف لبنان قبل أشهر بتقنين فتح الاعتمادات بالدولار لشراء المحروقات، ما انعكس سلباً على وجود الكميات الكافية لحاجات المواطنين من مادتي البنزين والمازوت، حيث يصطف المواطنون في طوابير بشكل يومي أمام محطات الوقود وينتظرون لساعات للتمكن من الحصول على كمية قليلة من البنزين.
والأسبوع الماضي أدى شجار حول تعبئة بنزين وبيعه في محطتي وقود في مدينتين شمال لبنان إلى مقتل 3 أشخاص بأعيرة نارية وبالسكاكين.
وبسبب أزمة اقتصادية حادة مستمرة منذ أواخر 2019، يعاني لبنان من انهيار مالي، أدى إلى صعوبة في توفير النقد الأجنبي المخصص للاستيراد، ما تسبب بشح في الوقود والأدوية والمستلزمات الطبية، وسلع أخرى بينها مواد غذائية ما تسبب أيضا في غلاء الأسعار.
وكان مصرف لبنان قد أعلن قبل أيام أنه سيتوقف عن دعم المحروقات وسيقوم بتأمين الاعتمادات اللازمة المتعلقة بالمحروقات باحتساب سعر الدولار على الليرة اللبنانية تبعاً لأسعار السوق.
والأحد تسبب انفجار خزان وقود في بلدة التليل شمالا في عكار أفقر مناطق لبنان، ما تسبب في مقتل نحو 30 شخصاً وإصابة نحو 80 آخرين بجروح.
وأعاد انفجار خزان الوقود إلى الأذهان انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب 2020 الذي أودى بحياة 200 شخص على الأقل ولم يتخط اللبنانيون حتى الآن صدمته.
وقد نتج عن تخزين كميات ضخمة من نيرات الأمونيوم في عنبر من دون أي إجراءات وقاية. بينما خزان الوقود الذي انفجر كان يحوي كميات من البنزين المخزّن في غير مكانه، في وقت لا يتوافر البنزين لسكان المنطقة. وأعلنت السلطات حداداً وطنياً الإثنين على الضحايا.
وتسود في لبنان الاثنين أجواء من الحداد والصدمة الممزوجة بغضب شعبي غداة سقوط عشرات الضحايا في شمال البلاد كانوا يحاولون الحصول على بضعة ليترات من البنزين من خزان انفجر بهم، في كارثة جديدة مني بها البلد الغارق في أزمات ومآس متلاحقة منذ عامين.
وينتظر اللبنانيون يومياً في طوابير طويلة أمام محطات الوقود للحصول على كميات قليلة من البنزين، بينما أقفلت بعض المحطات أبوابها. ويلجأ كثيرون إلى شراء المحروقات من السوق السوداء.
هذا ويقوم الجيش اللبناني منذ أيام بحملة لفتح محطات بنزين أو مستودعات تخزن وقوداً بالقوة. وكان الخزان الذي انفجر في الشمال جزءاً من هذه الحملة، إذ عثر الجيش فيه على كمية من البنزين، فصادرها لتوزيعها على المواطنين. وعندما هرع الأهالي إلى المكان للحصول على بعض البنزين، ترك عناصر الجيش لهم ثلاثة آلاف ليتر، وفق ما قال شهود.
وفي رد فعل غاضب على انفجار الأحد، قصد سكان بعد وقت قصير على المأساة الأرض التي كان البنزين مخزناً فيها في بلدة التليل وأضرموا النار في منزل صاحبها تحت أنظار عناصر من الجيش الذين لم ينجحوا في إيقافهم.
وحصلت تجمعات واحتجاجات شعبية هنا وهناك، لا سيما قرب منازل نواب من المنطقة ومسؤولين بينهم نجيب ميقاتي المكلف تشكيل حكومة جديدة، وطالب المتظاهرون برحيل الطبقة السياسية.
ويحمّل اللبنانيون الطبقة السياسية مسؤولية الكوارث الحاصلة والانهيار الاقتصادي جراء الفساد المستشري في مؤسسات الدولة والعجز والإهمال. وتقول الباحثة في الشأن اللبناني في منظمة العفو الدولية سحر مندور لفرانس برس “أمس وقعت مجزرة بسبب أزمة اقتصادية ناتجة عن فساد هائل مستمر منذ سنوات وتصاعد مع الأزمة الاقتصادية الأخيرة”. وأضافت “إنه فساد قاتل بالعين المجردة.. وسط غياب للمسؤولية السياسية”.
وزاد انفجار الأحد الضغط على المستشفيات المرهقة منذ أشهر طويلة نتيجة نقص المحروقات والتجهيزات والأدوية، والتي حذّر بعضها من احتمال توقف العمل فيها.
وتراجعت تدريجياً خلال الأشهر الماضية قدرة مؤسسة كهرباء لبنان على توفير التغذية، ما أدى إلى رفع ساعات التقنين لتتجاوز 22 ساعة يومياً. ولم تعد المولدات الخاصة قادرة على تأمين المازوت اللازم لتغطية ساعات انقطاع الكهرباء، ما اضطرها إلى التقنين أيضاً.
وجراء أزمة المحروقات المتفاقمة، باتت أفران غير قادرة على صناعة الخبز، ما يجعل المواطنين يقفون أيضاً في طوابير لشرائه أو يشترونه بسعر خيالي، بينما هناك خشية من انقطاع الغاز المنزلي.
وصنف البنك الدولي الانهيار الاقتصادي في لبنان بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850.
وعلى الرغم من معاناة الناس، ما زال المسؤولون اللبنانيون غير قادرين على الاتفاق على تشكيلة حكومية بل يختلفون على توزيع الحصص.