الصحف الغربية: فرار الأمريكيين من كابول أشبه بفرارهم من سايغون 1975
بعد محاولاتها العديدة الخروج من هذا البلد بماء وجهها، والقول إنها تمكّنت من تحقيق أي هدف من الأهداف التي وضعتها عند احتلاله، تخرج القوات الأمريكية من هذا البلد في مشهد يوحي أكثر ما يوحي بالفرار، الأمر الذي أثار علامات استفهام كبيرة حول هذا الانسحاب، كما وضع الرئيس الأمريكي جو بايدن ذاته في موقف لا يحسد عليه عندما اضطرّ لاتخاذ قرار لم يجرؤ على اتخاذه غيره من الرؤساء الثلاثة السابقين.
فقد أثار سقوط العاصمة الأفغانية، الذي لم يتوقع أحد أن يكون بهذه السرعة، حفيظة وسائل الإعلام الغربية البارزة، وتجلى ذلك في عبارات قاسية وُصفت بها الأحداث المتسارعة هناك.
وتحدثت وسائل الإعلام الغربية بلهجة حادة ولاسيما عن إجلاء الدبلوماسيين الأجانب من مطار كابل، وترك الأفغان يواجهون مصيرهم، وشبّهوا ما يجري بفرار الأمريكيين من سايغون بجنوب فيتنام في عام 1975.
وافتتحت مقالات العديد من الصحف الغربية الرائدة في نفس الليلة تقريباً بعبارات: “الحكومة في كابل انهارت، وفرّ الرئيس المدعوم من الغرب، ودخل المسلحون قصره”.
وأشارت صحيفة “واشنطن بوست” إلى أن الاستيلاء على العاصمة الأفغانية كان يجري التحضير له منذ سنوات، لكنه في النهاية حدث في يوم واحد، بينما لفتت صحيفة “نيويورك تايمز” إلى أن سرعة تقدّم “المتمردين” عبر الأرياف والمدن فاجأت الجيش الأمريكي والحكومة الأسبوع الماضي.
أما صحيفة “بوليتيكو”، فتوكد أن التقديرات الرسمية والتقارير الاستخباراتية لم تشِر إلى أن “طالبان” ستستولي على أفغانستان بأسرها بهذه السرعة.
وكتبت صحيفة “فاينانشيال تايمز” أن دخول طالبان إلى كابل كان تتويجاً لـ”الهجوم الخاطف الدراماتيكي الذي دام أسبوعاً”، والذي سيطر خلاله المسلحون على قسم كبير من البلاد. وتعتقد الصحيفة في الوقت نفسه، أن أفغانستان “تتجه نحو حرب أهلية”.
ويعتقد محللون أن القادة العسكريين الأفغان الأكثر صلابة في المعارك تراجعوا تكتيكياً لإعادة تجميع صفوفهم، ومن المرجح أن يبدؤوا في قتال طالبان.
وأولت وسائل الإعلام الغربية أكبر قدر من الاهتمام للأحداث التي وقعت في مطار كابل، الذي ظل، كما قالت تايمز، “المنفذ الوحيد لمغادرة البلاد خارج سيطرة طالبان”. وجرى وضع مقاربات بانسحاب القوات الأمريكية من سايغون في عام 1975، على الرغم من أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين، اعتبر هذه المقارنات غير صحيحة.
وكتبت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقول: إن الطريق الرئيس من كابل إلى المطار بحلول مساء الأحد، كان مليئاً بآلاف الجنود الأمريكيين والأفغان الفارين، ما شكّل مشهداً غريباً اختلط فيه مقاتلو طالبان بأفراد الجيش الأفغاني.
ونقلت طائرات مروحية دبلوماسيين أمريكيين وغربيين من السفارة الأمريكية إلى القسم الذي يحتله الجيش في مطار كابل. وأقلعت الطائرات الواحدة تلو الأخرى، وتحتها كانت المدينة مليئة بسيارات تقل الأفغان الذين حاولوا الوصول إلى المطار. وكان الدخان يتصاعد فوق البعثة الدبلوماسية ذاتها. ويتوقع أن الوثائق كانت تُحرق هناك.
وتواصل صحيفة “وول ستريت جورنال” القول: إن الفوضى بدأت لاحقاً حين حاول مئات الأشخاص من دون جوازات سفر ولا تذاكر الحصول على مقعد في إحدى الرحلات الجوية. وعلى أرضية المدرج، كانت عشرات الطائرات الأمريكية والبريطانية الرمادية تنتظر ركابها. ومع ذلك، تم تعليق الرحلات الجوية المدنية.
وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن من لديهم الحق في المغادرة جواً، منحت لهم أساور خاصة، ولكن لم توجد أساور لملايين الأفغان، بما في ذلك عشرات الآلاف من أولئك الذين ساعدوا الولايات المتحدة لسنوات.
وكتبت صحيفة “فاينانشيال تايمز” أن العديد من السكان المحليين أعربوا عن غضبهم من تركيز الولايات المتحدة على إجلاء مواطنيها، وقالت شابة من هيرات التي استولت عليها حركة طالبان قبل بضعة أيام: “أودّ أن أذهب إلى كابول الآن وأصرخ أمام السفارة الأمريكية: نحن بشر مثلكم، ولدينا أيضاً الحق في العيش والتمتع بالحرية”.
ورأت صحيفة “نيويورك تايمز” أنه بعد عقدين من دخول الولايات المتحدة إلى أفغانستان، انهارت التجربة الأمريكية في بناء أمة في ذلك البلد، وسيسجّل جو بايدن في التاريخ باعتباره الرئيس الذي أشرف على “العمل الأخير المهين” في فصل أمريكي طويل ومشوّش في “الجمهورية الإسلامية”، كما تشير الصحيفة إلى أن قرار ترك أفغانستان لمصيرها بعد 20 عاماً من التدخل الغربي أثار انتقادات حادة، حيث وصف رئيس لجنة العلاقات الخارجية البريطانية، توم توجندهات، الانسحاب السريع لقوات الناتو بأنه “أكبر كارثة للسياسة الخارجية منذ السويس”.