ماكرون يقسم المجتمع الفرنسي إلى “ملقحين” و”غير ملقحين”
هيفاء علي
تجدّدت المظاهرات في فرنسا للأسبوع الخامس على التوالي احتجاجاً على قرار توسيع العمل بالشهادة الصحية وفرض التطعيم الإلزامي على مقدّمي الرعاية. ومنذ الاثنين الماضي، يُسمح فقط لحاملي شهادة التلقيح بدخول المقاهي والمطاعم وصالات العروض أو ركوب الطائرات والقطارات والحافلات لمسافات طويلة، أو يطلب منهم تقديم نتيجة سلبية لتحليل الكشف عن فيروس كورونا.
وأفادت وزارة الداخلية الفرنسية أن ما مجموعه 214 ألفاً، و845 شخصاً، بينهم 13 ألفاً و900 في باريس، تظاهروا قبل أيام ضمن 217 تجمعاً، لافتةً إلى توقيف 11 شخصاً وإصابة شرطي. ونهاية الأسبوع الفائت، أحصت الوزارة تظاهر 237 ألف شخص، حيث انطلقت أبرز مسيرتين في باريس على وقع شعارات “فلنحرر فرنسا” و”احمل تصريحك يا ماكرون وارحل”، بمشاركة حركة “السترات الصفراء” في هذه المظاهرات ضد البطاقة الصحية.
ويلوم المتظاهرون الحكومة على الاستهانة بحجم الاحتجاجات، حيث أشارت مجموعة “الرقم الأصفر” التي تنشر في فيس بوك إحصاءاتها حول المشاركين في كل مدينة، فأحصت السبت الماضي مشاركة 415 ألف متظاهر “على الأقل” في فرنسا.
وهكذا تكشف هذه المظاهرات ضد البطاقة الصحية عن عيوب في إدارة الأزمة الصحية في فرنسا، وهذه التعبئة لن تضعف بل تعزّز بحسب المراقبين، والغرض منها التنديد بنظام الحرمان من الحرية الذي يؤدي إلى فصل جزء من السكان عن معظم الأماكن العامة. وبحسب هؤلاء المراقبين، فإن ما يسميه البعض حافزاً معززاً للتحصين هو أكثر من رهان انتخابي، أي المعارضة بين الملقحين وغير الملقحين، مما يجعل من الممكن إضفاء الشرعية لأسباب صحية على استبعاد جزء كبير من السكان من المجتمع، الأمر الذي يبدو أنه آخر اهتمامات ماكرون، ما يعني وجود نقلة نوعية في “أرض حقوق الإنسان”، حيث تصبح السيطرة هي القاعدة والحرية هي الاستثناء، مع إضافة درجة جديدة من العبودية التطوعية. لذلك فإن توسيع دائرة التعبئة لتشمل أكبر عدد ممكن من الفاعلين ستكون هي القادرة على وضع حدّ لهذا الانتهاك للحريات العامة، خاصة وأنه تمّ اختزال البرلمان إلى غرفة تسجيل بسيطة، وبالتالي صعود الحشد الشعبي هو ضمان للأمل.
تجتذب المظاهرات المزيد من الناس، أما بالنسبة للأرقام التي قدّمتها وزارة الداخلية فلا شك في أنها استهانة بها إلى حدّ كبير، ويكفي تصفح قنوات الإنترنت المختلفة لمشاهدة مقاطع فيديو صادرة عن طائرات بدون طيار تصور الحشود المختلفة -في باريس على وجه الخصوص- وأن عدد المتظاهرين أعلى بكثير من عدد المتظاهرين الذي قدمته وسائل الإعلام.
حقيقة، تبرز البطاقة الصحية الانقسامات في المجتمع الفرنسي بين الملقحين وغير الملقحين، وبين المستخدمين والأشخاص الذين يرفضون استخدام تصريح الصحة، وقبل كل شيء تمثل انقطاعاً واضحاً في المساواة بين المواطنين. وإذا كان ماكرون قد صنّف السكان بين “الأشخاص الناجحين والأشخاص الفاشلين”، فإن الفرز يتمّ الآن وفقاً لحالة التطعيم والقبول لتبرير ذلك.
بالإضافة إلى ذلك، تظهر استطلاعات الرأي، على الرغم من مصداقيتها المعتدلة، أن أكثر من ثلث السكان على الأقل يدعمون الاحتجاجات المناهضة للصحة، على الرغم من أن أكثر من أربعين مليون فرنسي قد تمّ تطعيمهم بالفعل لأول مرة. وهذا يدلّ على أن الجدل حول تمديد البطاقة الصحية لا يعارض التطعيم ضد غير الملقحين، بل يعارض الأشخاص الذين هم على دراية بمسائل الحريات المدنية ضد غيرهم، وهذا يثبت أيضاً أن إستراتيجية التقسيم بين الملقحين وغير الملقحين من قبل إيمانويل ماكرون لا تعمل على الإطلاق!.
وبحسب المراقبين، إذا كان هناك شعور قوي بعدم الثقة مؤسسات فرنسا، فهذا ليس من صالح وسائل الإعلام، إذ يعتقد أكثر من ثلثي الفرنسيين أن الصحفيين ليسوا مستقلين عن السلطة، سواء كانت مالية أو حكومية، لذلك لا يمكن توقع شيء مما يُسمّى بالقنوات الإذاعية والتلفزيونية المهيمنة، باستثناء خيبة الأمل.ب
إنها بالفعل مسألة تحول في النموذج، حيث لم تتبنَ أي حكومة، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، قوانين تفصل بهذه الطريقة جزءاً كبيراً من السكان، ليس كما يقال لرفض اللقاح، ولكن أيضاً لرفض الخضوع لعرض رمز الاستجابة السريعة عند الدخول إلى جميع أماكن المجتمع تقريباً. بمعنى آخر، هذا هو الحكم بالموت الاجتماعي والمهني على أي شخص يرفض تقديم هذه البطاقة الصحية، ونبذه وإدانته برفضه الانضمام إلى مجتمع المراقبة العامة.