“الأمير الصغير” ومتعة المغامرة
سلوى عباس
المسرح هذا الفن الراقي والممتع يواصل نشاطاته ويؤكد على فاعليته من خلال العروض التي يقدمها سواء لمسرحيين مخضرمين أم لطلاب يعيشون شغفهم المسرحي عبر المشاريع المسرحية التي يقدمونها خلال سنواتهم الدراسية بإشراف أساتذتهم في المعهد، وقد عاش طلاب السنة الثالثة-قسم التقنيات المسرحية بالشراكة مع أقسام أخرى في المعهد المسرحي كقسم السينوغرافيا، شغفهم المسرحي ومتعة المغامرة هذا العام باختيارهم لحكاية “الأمير الصغير” للكاتب أنطوان دوسانت إيكزوبيري موضوعاً لمشروعهم المسرحي، وربما أهمية هذا الاختيار تأتي من أنه لم يلحظ مسرح الطفل في مشاريع طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية من قبل، وقد قامت شيرين عبد العزيز بإعداد نص عن هذه المسرحية بإشراف الأستاذ أدهم سفر الذي أكد على أهمية خوضِ الطلاب هذه التجربة، وقد حقق هذا العرض نتائج مرضية رغم صعوبة تجربة “الأمير الصغير” كعرض موجّه للأطفال، الذي يستمد خصوصيته من حياة كاتبه الذي انشغل بالهمّ الإنساني وسعى إلى الغوص في جوهره عبر التأمل والحكمة باحثاً عن المعنى الروحي للوجود. وهو القائل: “لا نرى إلا بواسطة القلوب، وجوهر الأشياء لا تراه العيون”.
ولأن مسرح الطفل من أصعب أنواع المسرح كونه يقوم على تحقيق المتعة والفائدة، كان العمل في عرض “الأمير الصغير” مرتكزاً على إقناع الطفل من خلال تقديم دلالاتٍ لمن يشاهده، مع تأكيده أنّ الاهتمام بالشكل لم يكن على حساب المضمون، فالنص يحمل أفكاراً قوية تجعله أرضية مناسبة للعملِ فيه ضمن فضاء بصري، وإنه في ظل التوجه نحو العروض البصرية في مسرح الطفل فإن هذه النوعية من العروض تحتاج إلى إمكانيات مادية وفنية كبيرة، وكذلك إلى ورشاتِ عمل وشغل تراكمي للوصول إلى عروضٍ احترافية. وقد حقق عرض “الأمير الصغير” الذي قدمه طلاب المعهد المسرحي كمشروع اختبروا أدواتهم من خلاله نجاحاً وضعه بمستوى الريادة في المسرح السوري، وقد أثبت هؤلاء الشباب من تجربتهم الأولى التي تحمل الكثير من التوجس والأمل أنهم يملكون مواهب فنية وطاقات إبداعية تبشر بعطاءات مثمرة وغنية، ترفد المسرح بأفكار ورؤى جديدة تنهض بالحركة المسرحية وتعيد لها تألقها ودورها في التعبير عن حالات إنسانية ووجدانية تترجم من خلال نصوص يؤديها ممثلون يدفعهم حسهم الإنساني للتعبير عن هموم ومعاناة تحمل طابعاً ذاتياً وموضوعياً يعاني منها المجتمع، ويتبنى المعهد عرض هذه المشاريع بشكلها ومضمونها ويقدم لها كل عون ومساعدة ليأتي هذا الوافد الجديد بمستوى المهمة الموكلة إليه، والتي اختارها بكامل إرادته ورغبته.
يختصر كتاب ” الأمير الصغير” كلّ ما كان يهواه الكاتب اكزوبيري الذي يقول عنه أصدقاؤه إنه “لم يكن يهوى من الحياة سوى اللهو والغناء والرسم”. ومن هذه الهواية تطالعنا رسوم كانت ولادتها نتيجة لقاءات وصداقات ومصادفات، تمّ جمعها من رحلاته حول العالم، مع رسائل كان وجَّهها إلى الأصدقاء والعائلة وتحمل تواريخ مختلفة، وتتوزع على قارات ومدن زارها الطيار المغامر، كما شكّل الكتاب حالة من الدهشة والسحر لكل من قرأه، فهذه القصّة تُشكّل جزءاً من طفولة الكثيرين في العالم، وهناك جهات إعلامية وفنية وثقافية كثيرة جهدت لتقديم مسرحيات مقتبسة عنها، ومعارض وندوات وطبعات جديدة للكتاب، إضافة لإنجازه كفيلم سينمائي وكانت “منظمة أنطوان دي سانت إكزوبيري” قرّرت تحويل رسوم القصة إلى صور ثلاثية الأبعاد كي يتمكّن المكفوفون من قراءتها، وقامت أيضاً بترجمة الكتاب إلى رمز «بريل» الخاص بفاقدي البصر. من هنا جاءت عالمية هذا الكتاب الذي أضحى قصّة كلّ الأمكنة والأزمنة.