عندما يغيب التفسير والتوضيح وتحضر عقابيل القرار.. جدل حول إغلاق الفعاليات والمحلات
دمشق- ميادة حسن
جاء تعديل محافظة دمشق لقرارها القاضي بتوقيت فتح وإغلاق المحلات التجارية والأسواق بعد أن لاقى استهجاناً كبيراً من المواطنين، فالبعض لا يرى أن هناك أسباباً مقنعة في اتخاذ هذا النوع من القرارات، لاسيما أن المجتمع السوري لم يعتد على إقفال المحلات ليلاً، خاصة في المناطق الأكثر ارتياداً من غيرها في أوقات متأخرة من الليل كالشعلان والمزرعة وأبو رمانة، ولعل أكثر ما أثار الجدل لدى المواطنين هو عدم تفسير وتوضيح هذا القرار من قبل المعنيين، ما زاد في وجود فرضيات وتعاليل مختلفة تبناها المواطنون كتوفير الكهرباء، ومع ذلك فإن كل تلك الفرضيات لا تبدو مقنعة وكافية لاتخاذ هذا النوع من الإجراءات.
تعديل القرار
ويبيّن عضو المكتب التنفيذي في محافظة دمشق سمير الجزائرلي بأنه لم يتم إلغاء القرار فالإغلاقات مستمرة، ولكن حسب التوقيت الجديد والتعديلات التي قامت بها المحافظة بما يتناسب مع القطاعات التجارية والصناعية، وذلك بعد أن تلقت المحافظة شكاوى بهذا الخصوص، مشيراً إلى أنه تمت دراسة نتائج تطبيق القرار، وبناء على ذلك تم التعديل، ولات أية مشكلة لتعديل القرار، وهو خطوة إيجابية وحالة طبيعية تتوافق مع خصوصية السوق.
الاعتراضات
ونبهت سيدة الأعمال هوري كيشكوريان إلى أن هناك العديد من طلاب الجامعات يعملون خلال الفترة المسائية لتأمين مصاريف الجامعة، وجاء قرار الإغلاق ليقيّد الفعاليات التجارية التي تتيح لهم فرص العمل مساء، ورحبت كيشكوريان بالتراجع عن هذا القرار وتعديله، خاصة أنه لم يحمل أي جانب إيجابي، بل على العكس تماماً كان له ضرر على جميع فئات المجتمع، حيث لم يكن مدروساً بشكل جيد بما يتناسب مع الواقع المعيشي للمواطن الذي يمارس أكثر من عمل لتأمين لقمة العيش، لاسيما في ظل هذا الواقع المعيشي الصعب.
رفع الضرر
يرى الصناعي سامر رباطة أن معظم المواطنين يرتادون الأسواق خلال فترة ما بعد السادسة مساء، لأن معظمهم موظفون لا يعودون إلى منازلهم حتى الرابعة أو الخامسة مساء، وليست لديهم أوقات أخرى لارتياد الأسواق، بمعنى آخر هذا القرار قضى على فترة الذروة للعمل في الأسواق، ويذكر رباطة أن معظم التجار والصناعيين أكدوا للمحافظ أنهم على استعداد لتأمين الكهرباء إذا كانت هي السبب حقاً في اتخاذ هذا القرار الذي لم يكن من الممكن تطبيقه في ظل الظروف الراهنة التي تحتاج لإنعاش حركة الأسواق والتداول والإنتاج، ولابد من التنويه إلى أن المحافظة اعتبرت هذا القرار تجربة مؤقتة تم العدول عنها، إلا أنها لا تبدو تجربة جيدة في ظل هذه الأوضاع التي لا تحتمل الاجتهادات والتجارب العقيمة المعروفة بنتائجها مسبقاً، كما لا يحتمل الواقع المعيشي للمواطن القرارات المزاجية والخلبية، لأننا نحتاج إلى خطوات نحو الأمام وليس عرقلة تلك الخطوات.
خطوة إيجابية
يرى متابعون أن القرار السابق لمحافظة دمشق يحمل بعض الثغرات، حيث تمت إعادة صياغته بطريقة أفضل لينال نتائج مرضية، ولكن في العموم هو قرار ضروري لتنظيم عمل المحلات التجارية والمطاعم والملاهي الليلية.
وهنا يؤكد الخبير الاقتصادي فادي عياش أن هناك جوانب إيجابية للقرار، أهمها توفير الكهرباء، وإيقاف ضجيج تلك المحلات، والسماح للمواطن بالحصول على فترات خالية من صخب المطاعم والمحلات التي غالباً ما تستخدم المولدات المزعجة، وتعديل القرار من قبل المحافظة جاء بعد المشاورة ومشاركة أطراف المعادلة كغرف التجارة والصناعة للبحث بحيثيات القرار واتخاذه بالشكل الذي لا يسبب الأذى للأسواق، حيث تمت مراعاة الوقت أكثر لإقفال المحلات التجارية، وذلك بما يتناسب مع حركة السوق والبيع، وهذا تماماً ما فعله محافظ حمص، حيث عدّل القرار بما يتناسب مع المواطنين كي لا تتضرر أعمالهم، وأمل عياش أن تقتدي بذلك باقي المحافظات.
واعتبر عياش أن تعميم هذا القرار في جميع المحافظات لا يعتبر حالة إيجابية، فلكل محافظة خصوصيتها وظروفها التي تختلف عن باقي المحافظات، ولذلك كان لابد من الاستفادة مما قامت به محافظة حمص ومحافظة دمشق في إعطاء الأولوية لما فيه المصلحة العامة، ووضع الأوقات المناسبة لتنفيذ هذا القرار، ويضيف عياش بأن قرار تحييد أوقات الإغلاق جيد وهام، لكن الوقت الذي تم اختياره هو الثغرة فيه، وبما أن هذا القرار عمل به سابقاً، كان لابد من تلافي هذا الخطأ، فالاغلاقات صيفاً تكون في العاشرة مساء، أما في فصل الشتاء فتكون في التاسعة، وهذا معروف للجميع، لذلك فإن التعديل الحالي للقرار جاء بما يتناسب مع خصوصية الوضع المعيشي الحالي.
وجهة نظر
لسنا في ظروف تحتمل التعسف والتجريب غير المبرر أو حتى تجاهل رأي القطاعات والفعاليات، لأن الغاية من أي قرار هي المصلحة العامة وليست الفردية، لذلك لابد من المشاركة مع الجهات المعنية بكافة قطاعاتها عند اتخاذ قرار ما، ولعل الأكثر غرابة حالياً هو دراسة القرار بعد صدوره، وما خلّفه من حالة استياء عامة، بدلاً من أن تتم دراسته بشكل جدي، ومعرفة انعكاساته على الفرد والمجتمع، ثم اتخاذه بشكل رسمي وجاد، رغم تأييد هذا القرار.. في كل الأحوال، استطاعت محافظة دمشق تدارك الموقف والعودة لتعديل التوقيت بما يتناسب مع حركة الأسواق والمحلات التجارية.