جنرالات أمريكا كذبوا على الجمهور ويستحقون العقاب
إعداد: عناية ناصر
قال الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، أمام الكونغرس في حزيران الماضي إنه يريد أن يفهم “الغضب الأبيض”، ولماذا حاول آلاف الأشخاص الاعتداء على هذا المبنى، وإلغاء دستور الولايات المتحدة الأمريكية؟!.
إذا كان ميلي يريد حقاً أن يفهم “غضب” الشعب الأمريكي، فعليه أن يبدأ بالسؤال عن سبب عدم تمكنه هو وزملائه من كسب أي حرب، يقول الجنرال: “بصفتي ضابطاً في سلاح مشاة البحرية خدم في نهاية الحربين في العراق وأفغانستان، رأيت بنفسي التحول الأيديولوجي السريع الذي ساد الجيش في أعقاب هذه الكوارث في الشرق الأوسط”.
لقد وضع دونالد ترامب بسياسته الخارجية “أمريكا أولاً”، وانتقاده المدمر لجورج بوش وباراك أوباما، في الفترة التي سبقت انتخابات 2016، المجمع الصناعي العسكري في حالة استنفار قصوى. كان ترامب يدفع اليمين الأمريكي بعيداً عن التدخلات الخارجية المكلفة التي لا تنتهي، والتي يحتاجها المجمع الصناعي العسكري لتبرير وجوده، لقد اعتمد جنرالات أمريكا لفترة طويلة على أطروحة “الطعنة في الظهر” لتبرير فشلهم في ساحة المعركة، وقد بدأت هذه السردية بعد فيتنام وتجذرت اليوم، فقد غرد مستشار الأمن القومي السابق الجنرال اتش آر ماكماستر في 8 تموز الفائت معلّقاً على المسيرة الكاسحة لطالبان بأن وسائل الإعلام الأمريكية تقوم أخيراً بإظهار التحول في أفغانستان بعد أن ساعد عدم اكتراثها وانهزاميتها في تكريس شروط الاستسلام والكارثة الإنسانية.
إن محاولة ماكماستر إلقاء اللوم في الفشل العسكري على وسائل الإعلام غير المسيطر عليها بشكل كاف أمر غير مقبول، فقد كان هو وزملاؤه يعرفون جيداً أن أفغانستان كانت غير مستقرة، وأن استراتيجيتهم لم تكن ناجحة، وبدلاً من رفع أصواتهم، كذبوا على الجمهور، ثم قفزوا إلى القطاع الخاص لجني ثمار الثقة غير الحقيقية.
يستحق ميلي وزملاؤه الجنرالات بكل ثقة أن يشعروا بالثقل الكامل لغضب الشعب الأمريكي، فلمدة 20 عاماً، كذب هؤلاء الجنرالات باستمرار على الشعب الأمريكي، هم وأسيادهم السياسيون، بشأن الحروب في الشرق الأوسط، ولقد سبق للصحفي كريج ويتلوك أن نشر في كانون الأول 2019 في صحيفة واشنطن بوست سلسلة من المقالات الناقدة التي تتحدث عن فشل أمريكا في أفغانستان، وباستخدام 600 مقابلة تحت مسمى “دروس مستفادة” مع كبار الموظفين العسكريين والموظفين الدبلوماسيين التي جمعها المفتش العام الخاص بإعادة إعمار أفغانستان، أوضح ويتلوك مدى انتشار الفساد في الجيش الأمريكي.
لقد زعم ميلي نفسه في كابول عام 2013 أن الجيش الأفغاني وقوة الشرطة كانا فعالين جداً في القتال ضد المتمردين، لقد كان يكذب، إذ قُتل أكثر من 60.000 من الشرطة والجيش الأفغاني خلال فترة الاحتلال مقارنة بـ 42.000 فقط من عناصر طالبان.
كان الجيش والحكومة في أفغانستان فاسدين تماماً، فقد اعترف المسؤولون الأمريكيون سراً أن ما لا يقل عن 40 في المئة من 103 مليار دولار من أموال إعادة الإعمار التي أنفقت في أفغانستان ذهبت إلى أيدي المتمردين وطالبان وأمراء الحرب الفاسدين.
وإذا كان الجنرالات يعرفون ذلك ولم يقولوا شيئاً للشعب، فإنهم يستحقون أن يكونوا عرضة للانتقاد، وبدلاً من مكافأتهم على شجاعتهم، يستحقون التأنيب. لقد حصل وزير الدفاع الحالي لويد أوستن على 7 ملايين دولار تدفع بمجرد تركه الخدمة، وبحسب ما ورد تبلغ قيمة ما تلقاه الجنرال جيمس ماتيس 5 ملايين دولار، بما في ذلك 150.000 دولار سنوياً من شركة “ثيرانوس” كونه عضواً في مجلس الإدارة، كانت شركة “ثيرانوس” متهمة بالاحتيال، ولم يسأل أي عضو في مجلس الشيوخ ماتيس عن صلته بالشركة، أما الجنرال ديفيد بتريوس وبعد أن ترك وكالة المخابرات المركزية فقد وقع في فضيحة الكشف عن تسريب معلومات سرية لعشيقته وكاتبة سيرته الشخصية، باولا برودويل، ومفادها أن ثروته الصافية تقدر بـ 2 مليون دولار.
ثمة حاجة إلى المساءلة، إذ يحتاج الشعب الأمريكي إلى كشف حساب كامل للمهمة العسكرية في أفغانستان، حيث تم الكشف عن 10 بالمئة فقط من أسماء 600 مقابلة أجراها المفتش العام الخاص بإعادة إعمار أفغانستان الذي جمع “أوراق أفغانستان”، وهذا يحتاج إلى التغيير، يجب على الكونغرس إنشاء “لجنة حرب أفغانستان”، كما يجب على لجان المخابرات في مجلسي النواب والشيوخ استخدام سلطتها في رفع السرية لتسليط الضوء على المسألة الأفغانية بالكامل، يجب أن يُطلب من كل قائد في القيادة المركزية الأمريكية والقوة الدولية للمساعدة الأمنية الإدلاء بشهادته علناً بشأن الحرب ودورهم في الكارثة، إن إنفاق تريليون دولار و2300 حياة دون أي محاولة جادة للمساءلة يتعارض مع الشكل الجمهوري للإدارة الأمريكية، فهؤلاء القادة العسكريون الذين فشلوا في تقديم حساباتهم بشكل صحيح عن جهودهم، وتضليل الجمهور، ثم حصلوا على رواتب ضخمة بعد الحرب، يستحقون العقاب.