بعد عرض “انتظار”.. المخرج طلال لبابيدي: أصبحت أقرب للواقعية والبساطة
توقف عن العمل المسرحي كمخرج وممثل منذ 10 أعوام بسبب الحرب، وعاد مؤخراً من خلال العرض المسرحي “انتظار” لفرقة المسرح العمالي الذي قدم على خشبة مسرح القباني، ويشير المخرج طلال لبابيدي في حواره مع “البعث” إلى أنه منذ 3 سنوات قدم كمؤلف وسينوغرافيا عملاً بعنوان “شآم” في دار الاوبرا، ولكن لم يكن عملاً خاصاً به، بل بالارتباط بمخرج له رأيه أيضاً، لذلك فور انتهائه من الخدمة العسكرية قرر العودة فوراً إلى العمل الذي يحب، فانضم لفرقة المسرح العمالي في اتحاد عمال دمشق ليقدم مسرحية “انتظار”، ولا يخفي لبابيدي أنه بعد عشر سنوات حرب عشنا فيها ظروفاً صعبة جداً، تغيّرت عنده مفاهيم كثيرة تخص عمله كمخرج وكاتب، حيث أصبح أقرب للواقعية والبساطة في الطرح، كما تشكّلت عنده قناعة أن من واجبه كمؤلف أن يكتب أحرفاً من حبر ألمنا، ويرسم كمخرج صوراً من واقعنا دون تجميل، وهذا ما كان من خلال عدة أفلام كتبها للسينما مثل: “تشيز”، و”طريق الحياة”، و”فجر أحمر”، و”أحلام السنديان”، وأخيراً العرض المسرحي “انتظار” الذي توجّه به من خلال مسرح العمال لفئة معينة من الجمهور انطلاقاً من إدراكه أن المؤلف والمخرج حين يدركان ماهي الجهة التي يمثّلها، وفئة الجمهور التي ستشاهد العرض المسرحي يكونان قد أصابا نصف الهدف، لذلك كان عليه أن يقدم عملاً يلامس حياة العمال اليومية ومعاناتهم وهواجسهم، واستطاع العمل من خلال شخصياته أن ينطق بما لا يستطيعون بلغة بسيطة ومفهومة، وهنا تكمن الصعوبة برأيه في نص “انتظار”، حيث حاول جاهداً أن يصنع توازناً بين البساطة والمباشرة والفلسفة، لذلك كانت هناك جمل عديدة تحتمل عدة أوجه للقصد والمعنى، ويمكن لكل شخص حسب ثقافته أن يفهم الجملة بطريقته.
انتظار سوري
يوضح لبابيدي أنه لم يتكئ على نص “بانتظار غودو” لصمويل بيكيت، بل على فكرته، فكل من يعرف مسرحية “بانتظار غودو”، وشاهد عرض “انتظار” يعرف تماماً أنه لم يأخذ جملة واحدة من النص الأساسي لأنه أصلاً معقد جداً وفلسفي، وهذا أسلوب صمويل بيكيت المعروف بأنه رائد المدرسة العبثية، في حين اتكأ هو على فكرة انتظار- المكان والشجرة ودلالاتها- مستوحياً من شخصيات بيكيت ملامح شخصياته وقد أسقطها على نماذج سورية تحمل هموماً ومشكلات حياتية لم تكن موجودة قبل الحرب، مبيّناً أنه لم تكن لديه صعوبة كمؤلف ومخرج في خلق شخصيات، وزمان ومكان مختلفين تماماً عما ورد في مسرحية بيكيت، إلا أنه أحب بشدة فكرة “بانتظار غودو”، مع علمه أن الجمهور سيجذبه العنوان والاقتباس، خاصة أن جمهورنا لا يثق بالنصوص المحلية، وهذا ما حصل برأيه، فمعظم الذين أتوا لحضور المسرحية كان هدفهم مشاهدة المسرحية الأصلية، مع أن طريقة معالجته لها كانت مختلفة تماماً.
بعيداً عن الواقع
يؤكد طلال لبابيدي وجود أزمة في النصوص المحلية على كافة الأصعدة: سينما، تلفزيون، مسرح، والسبب برأيه أننا تعوّدنا على قوالب معينة وثابتة في الأسلوب والشكل، والسبب الآخر أنها نصوص إما بعيدة عن الواقع أو أنها نصوص تحاول تجميله ولا تقوم على عرضه كما هو، وبالمقابل فإن النصوص العالمية إذا قُدّمت كما هي فسيقع المخرج في مشكلات عدة محرجة، الأولى هي أنه سيكون في محل مقارنة مع العروض السابقة التي قُدمت سواء محلياً أو عربياً، وحتى عالمياً، كما أنه سيقع في فخ الابتعاد عن ملامسة هموم مجتمعه ومشكلاته، مشيراً لبابيدي إلى أنه من المعروف أننا إذا كنا في بلد وأردنا أن نعرف كل شيء عنه خلال ساعة واحدة فعلينا أن نحضر مسرحه، لذلك على من يختار نصاً عالمياً أن يختار أفكاره فقط وأشكال شخصياته ويسقطها على واقع مجتمعه، وهي مهمة ليست سهلة على الإطلاق.
الممثل أولاً
وأوضح لبابيدي أنه كمخرج لم يهمل لا الشكل ولا المضمون، وقد حاول أن يصنع توازناً بينهما، متمنياً أن يكون قد وُفّق في ذلك لأنه كان يخشى أن يقع في فخ تغليب الشكل على المضمون، مع تأكيده على أن الممثل كان همه الأكبر لأنه بشكل عام تعامل مع هواة يملكون شغف وحب المسرح، ولكنهم معتادون على نمط حركة وكلام وأسلوب مختلف تماماً، فكان من أولوياته تدريب الممثل خلال فترة وجيزة على نمط جديد عليه في الأداء والحركة والإحساس، مبيناً أنه كمخرج لا ينتمي لمدرسة فنية معينة، وأن من تابع العرض يعلم أنه تعمّد أن يمزج بين عدة مدارس كالواقعية والعبثية وغيرهما.
الفارق كبير
وبين ما كان يحلم به وما شاهده على خشبة المسرح في “انتظار” يعترف لبابيدي أن الفارق إلى حد ما كان كبيراً، حيث لم يستطع أن يحقق كل ما أراده لعدة عوامل، منها الوقت القصير جداً في تدريب الممثلين، حيث حاول جاهداً أن يُنجز العمل كاملاً في 15 بروفة، بينما كان يحتاج إلى 25 بروفة على الأقل، إضافة إلى عامل الكهرباء الذي أثّر بشكل كبير على الشكل، لذلك لم يكن يملك وقتاً كافياً من خلال ساعتي تغذية كهربائية لينفذ ما كان مخططاً له على الورق.
مسرحية “انتظار” من تمثيل: غسان مارديني، زين العابدين شعبان، بثينة ياسين، عدنان الشاطر، أليسار كرادو، تصميم الإضاءة: عماد حنوش، مهندس الصوت: إياد الطيب، مدير المنصة: ساندرا شعبان، ستايلست ومكياج: روان العبد، الإعداد الموسيقي: ريبال الهادي، الديكور والاكسسوار: هيثم مهاوش، تصميم فوتوغراف وتصميم: بيسان غرز الدين.
أمينة عباس