12 عاماً على “تعطيل” شركة الحرير الطبيعي بالدريكيش…!!؟
فقدت محافظة طرطوس واحدة من أعرق الصناعات وأجودها بعد أن كانت تتغنى بصناعة الحرير الطبيعي لعقود طويلة وبعد أن ذاع صيتها إلى دول الجوار وبعض الدول الغربية، وذلك إثر عزوف المربين عن تربية دودة القز وإنتاج شرانق الحرير الطبيعي، حيث وقفت جميع الظروف والقرارات والمعطيات حائلاً بوجه مشاريعهم التي بدأوها منذ زمن طويل بعد أن تكبدوا خسائر فادحة أفقدتهم مهنة توارثوها “أبا عن جد”، وخسروا باندثارها مصدر رزقهم وعيشهم الوحيد.. فهل من بارقة أمل تعيد صناعة الحرير إلى أمجادها ولا سيما مع وجود مقومات ومستلزمات التربية من مربين ومراكز تربية داعمة وأراض زراعية لزراعة غراس التوت إضافة إلى شركة الحرير الطبيعي في منطقة الدريكيش.؟
عدد كبير من مربي دودة القز أعربوا عن استعداهم التام لإعادة زراعة أراضيهم بغراس التوت وإعادة التربية إلى ما كانت عليه، كون إنتاج شرانق الحرير وصناعته مهنة عريقة، ويطالبون اليوم بالنظر بأوضاعهم المادية لإنقاذهم وإنقاذ تلك المهنة ولا سيما في إطار دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة والتي تشجع عليها الحكومة عند كل اجتماع ولاسيما خلال الفترة الأخيرة.
وفي وقت أوضح منذر رمضان عضو المكتب التنفيذي في اتحاد حرفيي طرطوس لـ “البعث” أن وزارة الزراعة قامت بعدة خطوات لتشجيع المربين، كإحداث ستة مراكز موزعة في حمص وحماه وطرطوس واللاذقية، وأنها تقوم بحضانة وتفقيس بيض دودة الحرير وتربية الديدان حتى العمر الثالث لتوزع على المربين، إضافة إلى تأمين غراس شجر التوت وتوزيعها عليهم بسعر شبه مجاني.. عزا يوسف أحمد مدير الشركة العامة للحرير الطبيعي في الدريكيش أسباب عزوف المربين عن التربية إلى انخفاض أسعار شراء شرانق الحرير والقص الجائر لأشجار التوت لزراعة أنواع أخرى من الأشجار أكثر جدوى للفلاح كالزيتون والتفاح وغيرها، مضيفاً أنه تم طرح حلول بديلة منذ العام 1998 لإنقاذ هذه الصناعة من خلال الاستفادة من أراضي أملاك الدولة لزراعة أشجار التوت في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماه وبمساحة 3000 هكتار تنفذ على مراحل، لكن لم يتم التنفيذ، كما تم طرح مشاريع بديلة للمعمل مثل حاضنة أعمال تضم فندق سوق أعمال يدوية بالتعاون مع وزارة السياحة لم تنفذ أيضاً، واستمر الوضع لغاية عام 2015 حيث صدر قرار عن وزير الزراعة يتضمن تشكيل فريق عمل من وزارة الزراعة والصناعة مهمته وضع استراتيجية عمل متكاملة لإنعاش تربية دودة الحرير في سورية تتضمن خطة عمل وبرنامج زمني، وتم الانتهاء من المشروع في عام 2017 وتم رفعه إلى الجهات الوصائية لإقراره، حيث تمت الموافقة عليه وتم الطلب إلى وزارة الزراعة المباشرة بالتنفيذ، حيث كان من المقرر أن يستمر المشروع من عام 2017 ولغاية عام 2027 ضمن ثلاثة مراحل، يتم من خلالها زراعة 2987 دونم بعدد أشجار حوالي 900 ألف شجرة توت تكفي لتربية 6491 علبة بيوض، هذه الكمية من البيوض تنتج حوالي 250 طن شرانق حرير كافية لتشغيل المعمل على مدار العام لثلاث ورديات.
وبين مدير الشركة أن آلات المعمل قديمة وأحدث آلة يعود تاريخ صنعها لعام 1975 لكنها ليست متهالكة، وخلال العام الماضي تم إجراء صيانة أولية لآلات المعمل حيث أعيدت للعمل بانتظار موسم الإنتاج، لكن لم يكن هناك إنتاج لشرانق الحرير حيث تحتاج الشركة إلى كمية لا تقل عن 6 طن شرانق للمباشرة بالعمل، وهذه الكمية تكفي للعمل لمدة شهر فقط ولوردية واحدة، لافتا إلى أنه في حال توفر الشرانق يمكن إعادة تشغيل هذه الآلات بكلفة ليست كبيرة وبنفس الطريقة قبل توقف العمل على أن يتم الاستبدال وفق الخطة الموضوعة.
وأشار أحمد إلى أن وزارة الزراعة باشرت تنفيذ المشروع ضمن إمكانياتها المتاحة وشركة الحرير بانتظار بدء عملية الإنتاج الفعلي لشرانق الحرير لتتم المباشرة بالعمل، مبيناً أن وزارة الزراعة تقدم دعم مادي للمربين إضافة إلى تسليم البيوض مجاناً، في حين تكمن مهمة الشركة بشراء الشرانق من المربين بالأسعار التي تحدد من الجهات الحكومية وحل هذه الشرانق وبيع الإنتاج لمن يرغب، لافتاً إلى وجود ممثلين عن وزارة الزراعة والمؤسسة العامة للصناعات النسيجية تتابع تنفيذ البرنامج الوطني، لافتاً إلى أنه وفي حال تطبيق المشروع الوطني لإنعاش تربية دودة الحرير ولو بشكل نسبي لا يقل عن 50% من الخطة، وبالتالي يمكن القول بأن “صناعة الحرير الطبيعي قد بدأت، ونأمل أن يتم ذلك كون هذه الصناعة من التراث السوري الأصيل وتقدم دعم مادي كبير لسكان الريف” كما يقول مدير الشركة، عماً أن رئيس مجلس الوزراء كان قد زار الشركة عام 2017 وأوصى – حسب أحمد – بالبدء بتنفيذ البرنامج الوطني وإجراء عمرة للمعمل على أن يتم استبدال الآلات بعد انتهاء المرحلة الثانية، مشيراً إلى توقف المعمل عن العمل منذ العام 2009 نتيجة عدم توفر المادة الأولية “شرانق الحرير”.
ولعودة صناعة الحرير إلى ألقها اقترح عضو المكتب التنفيذي الاهتمام بنوعية المنتج لينافس السوق العالمية ودعم المربين من خلال منحهم قروض ميسرة، وتطوير معمل الحرير، وتعديل القرارات والقوانين الخاصة بهذه الصناعة، وربط السعر بالنوعية، إضافة إلى تأهيل كوادر هندسية وفنية لمتابعة مراحل تربية دودة الحرير وفقا للمعايير الدولية، وإعفاء الحرفيين والصناعيين من الضرائب، لتشجيعهم على استجرار الخيوط من المربين، وتضافر كافة الجهود المعنية من حرفية وسياحية وثقافية خاصة وعامة لإقامة معارض خارجية مع الدول الصديقة للترويج لهذا المنتج الهام.
يذكر أن صناعة الحرير العريقة تعود إلى الألف الثاني قبل الميلاد، وكانت مدينة إيبلا هي المركز الرئيسي لهذه الصناعة ومنها انتقلت إلى كافة المدن السورية لما لها من أهمية اقتصادية ومردود مادي على صعيد الدولة والأفراد.
دارين حسن