أردوغان وروسيا.. علاقة متعبة
علي اليوسف
كل الملامح تدل على أن هناك مخطط آخر سيلي سيناريو الانسحاب الأمريكي من أفغانستان. هذا المخطط المقبل سيكون بلا شك للوكلاء ومن أهمهم حركة “طالبان” التي سيطرت على البلاد في لعبة لم تضح ملامحها بعد، والنظام التركي المتمثل برئيسه رجب طيب أردوغان.
فمنذ أن اقتحم الوكيل الأول العاصمة كابول، سارع رئيس النظام التركي أردوغان للإعلان عن استعداده لاستقبال قادة طالبان شخصياً للتباحث معهم في جميع القضايا الخلافية بما فيها بقاء الوحدة التركية ومجموعاتها الإرهابية في أفغانستان. هذا الإعلان من الطبيعي أن يأتي كثمرة أولى للتعاون بين الوكيلين، والتي سترتكز بالدرجة الأولى على تأمين وتشغيل مطار كابول الدولي. وما يؤكد ذلك هو أن إدارة أردوغان قدمت في حزيران الماضي اقتراحات – بقيت سرية حتى الآن – إلى نظرائهم الأمريكيين بشأن الوضع في أفغانستان، وحينها كانت أنقرة تساوم أو تطلب ثمن دورها في المخطط القادم؛ وكان الثمن ،على الأغلب، يرتكز على تنازلات دبلوماسية من واشنطن، ويبدو أنه حصل عليها. واليوم وبعد أن رفعت طالبان أعلامها في كل البلاد، سارع الرئيس التركي للتنسيق مع الحليف القديم، قطر، لرسم ملامح الخطة القادمة، أي إزعاج روسيا من جديد.
هذه الملامح بدأت تظهر خيوطها الأولى بعد أن أطلق المشغل الأمريكي العنان للوكلاء لزرع الفوضى في آسيا الوسطى. أي أن المقترحات السرية التي قدمها أردوغان للولايات المتحدة كان في جوهرها تعزيز بل ودعم مخططات أردوغان وطموحاته العثمانية للتوسع في تلك البقعة من الأرض، ولعل أسهل طريقة لتنفيذ هذه الأجندة الأمريكية هو دفع تركيا لاستخدام “القوة الناعمة” بعد أن جمدت موسكو مبادرات أنقرة السياسية في المنطقة.
صحيح أنه ليس هناك، حتى الآن، تأكيد رسمي للتغيير في نهج أنقرة، إلا أن لدى أردوغان خططاً طويلة الأمد لإدراج بلدان آسيا الوسطى في فلك سياساته، لأنه منذ الاحتلال الأمريكي لأفغانستان يرعى أردوغان ويعزز بنشاط فكرة إنشاء ما يسمى بـ “العالم التركي”. وأمام هذا المعطى لا يستبعد أن تتحول آسيا الوسطى – بعد أن زاد الأتراك من وجودهم فيها – إلى نقطة ساخنة جديدة بين روسيا وتركيا تضاف إلى العديد من نقاط التماس الساخنة بينهما وخاصةً في سورية وليبيا.
من هنا، سيخلق التوسع العسكري والسياسي التركي في الاتجاه الشمالي بؤرة توتر جديدة لروسيا تضاف إلى القرم، خاصةً أن ممثلي القيادة التركية من المروجين النشطين لفكرة “منصة القرم”، وهي مجموعة من الدول هدفها المعلن فصل شبه الجزيرة عن روسيا، والمصلحة التركية في ذلك واضحة، وهي المطالبة بهذه الأرض. واليوم يلاحظ نشاط تركي مرتفع بشكل استثنائي في هذا المجال لإقامة تعاون عسكري تقني وعسكري استراتيجي وثيق مع أوكرانيا. وهذا التوسع التركي هو بالطبع يتعلق بنتائج الصراع المسلح بين ناغورني قره باغ وأرمينيا من جهة، وأذربيجان وتركيا التي تدعمها من جهة أخرى، وهي من وراء هذا الصراع حصلت على موطئ قدم في أذربيجان والذي سيقود لمزيد من التوسع باتجاه الجمهوريات الآسيوية السوفييتية السابقة، وربما شمال القوقاز.
وعلى الرغم من تقديم وسائل الإعلام الروسية الرسمية معلومات تسلط الضوء على الجوانب الإيجابية للعلاقات الروسية التركية، إلا أن السياسة الخارجية التركية تقدم في كل يوم مفاجآت غير سارة لروسيا، لكن موسكو تدرك أن مبادئ السياسة الخارجية، التي تعدها القيادة التركية حجر الزاوية في سياسة البلاد، تشكل تهديداً مباشراً لوحدة أراضي روسيا، وهي وحدها، أي روسيا، الأقدر على التعامل مع مفاجآت أردوغان القادمة.