مفاعيل التحولات التونسية واستحقاقاتها
إعداد: ريا خوري
ما زال السجال الساخن في تونس يكشف الحقائق حول المستجدات السياسية الجديدة التي جرت بموجب الدستور التونسي، والتي أقرّها الرئيس قيس سعيِّد. ومن هذه الحقائق أن الدستور أسس لمرحلة سياسية جديدة، وأعاد رسم الخارطة الجيوسياسية لتونس، كما أعاد تصحيح المقاربات الخطأ التي تمّ اعتمادها سابقاً، أو منذ انطلاق ما أطلق عليه “الربيع العربي”.
كان التجاوب الشعبي مع خطوات الرئيس التونسي، والتي اتخذها بموجب المادة (80) من الدستور، كبيراً جداً، وقيل إنه حصد تأييد تسعين في المئة من الذين تمّ استطلاع آرائهم في مختلف المدن والقرى والبلدات التونسية. وفي هذا الأمر دلالة واضحة على أن الممارسات السلبية التي قامت بها حركة “النهضة الاخوانية” ومن يدور في فلكها ومن يدعمها من الداخل والخارج، كانت محل امتعاض ورفض شعبي، خاصةً وأنها تذكرهم بالشعارات الفارغة التي استخدمتها الحركة قبل حوالي عشر سنوات والتي لم تتجاوز تحقيق مصالح شخصية وفئوية ضيقة على حساب المواطنين التونسيين، والتي كانت سبباً رئيسياً لحالة الفساد الخطيرة التي استشرت في البلاد، وأدّت إلى اختناق اقتصادي وضعف إداري وصحي غير مسبوق.
الرئيس التونسي، وقبل أن يجمّد عمل البرلمان لمدة ثلاثين يوماً، ويُقيل رئيس الحكومة هشام المشيشي، اعتبر أن البلاد في حالة خطر داهم، وأن الدولة مهدّدة بالفناء والزوال، وأن الفوضى والخراب الداخلي يطرقان الأبواب بعنف، والناس تئنّ وتتألم تحت وطأة الفقر والجوع والحرمان والمرض من دون أن تتخذ الحكومة إجراءات لوقف الانهيار أو درء الأخطار المحدقة بتونس وبالشعب التونسي. في المقابل، تحصّن راشد الغنوشي رئيس البرلمان خلف المؤسسة التشريعية لتحقيق مآرب شخصية وفئوية لمصلحة حركة “النهضة”، وشجع المنحرفين والخارجين عن القانون على ارتكاب الأمور الفاسدة التي تضرّ بمستقبل تونس.
بعد انتخابه بتاريخ 13 تشرين الأول عام 2019، قدم الرئيس قيس سعيّد رؤية تستند إلى تطلعات مدنية تعتمد على الدستور والقوانين والتشريعات الناظمة، وتحترم حقوق الإنسان، وتُنشد التطور في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية. لكن ذلك لم يرق لجماعات “الإخوان المسلمين” التي تتزعمها حركة “النهضة” التي رأت في سعيّد حاجزاً وسداً منيعاً أمام تحقيق طموحاتها بالسيطرة على البلاد وسرقة مقدراتها.
لذلك فإن ما حصل ويحصل في تونس ستكون نتائجه في غاية الأهمية على المستوى الداخلي، وعلى المستوى الخارجي على السواء، وإذا ما تمكّن الرئيس سعيّد من إجراء انتخابات تشريعية جديدة مبكرة، ستتبيّن الفروق في مستويات التمثيل السياسي بشكلٍ كبير وواضح، لأنَّ الدعاية التي اعتمدتها حركة “النهضة” أُجهضت بالممارسة العملية، ولن يكون لهؤلاء أي أغلبية في البرلمان بعد اليوم، وقد برز بوضوح عدم قدرة مناصري راشد الغنوشي على حماية مقراتهم ومكاتبهم ومستودعاتهم التي هاجمتها الجماهير المؤيدة لحراك الرئيس قيس سعيّد، ولولا حماية الجيش وقوات الأمن للناشطين في الحركة ولمقراتها ومستودعاتها، التي تحتكر فيها جزءاً كبيراً من ثروات البلاد، لكانت الأمور تطورت إلى عنف واسع ضدهم.
التغيير في فهم الدستور واستحقاقاته، أو التأثيرات الخارجية للانتفاضة الدستورية التونسية، ستكون كبيرة جداً أيضاً، على اعتبار أنها ستنهي ما تبقى من آثار سلبية لحقبة زمنية ماضية حاول فيها “الإخوان المسلمون” استغلال ما تمّ تسميته بــ”الربيع العربي” لمصلحتهم وتحقيق مآربهم، وتراجعهم في العديد من المناطق، بسبب فشل تجربتهم في الحكم وإدارة البلاد.
على مدى السنوات العشر الماضية، حظيت حركة “الإخوان”، ولاسيما في تونس برعاية دولية خارجية واضحة، ولعلّ ما صدر من تسريبات عن التفاهمات والاتفاقات التي وضبتها وزيرة خارجية الولايات المتحدة هيلاري كلينتون في عهد الرئيس باراك أوباما خير دليل على المساعدات الضخمة التي تلقتها الحركة بشكل عام و”حركة النهضة” بشكل خاص. حتى موقف وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن من الإجراءات العملية التي اتخذها الرئيس التونسي تؤكد أن غشاءً ما يخفي قطبة تظليلية في الموقف الأمريكي، وحتى دعوته للرئيس التونسي باحترام الديمقراطية فيها شيء من الالتباس وعدم الوضوح!.