أوكرانيا ودرس أفغانستان
هيفاء علي
في أعقاب الفوضى التي أحدثها انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، والصدمة التي أصابت العالم بسيطرة طالبان على البلاد، يبدو أن بعض السياسيين الأوكرانيين بدؤوا يدركون أن الأمر نفسه ينتظرهم، مما تسبب في موجة صادمة في العالم السياسي في كييف.
إذ ليس من المستغرب أن يحاول بعض السياسيين الأوكرانيين، مثل وزير الخارجية السابق بافيل كليمكين، طمأنة أنفسهم بقدر ما يحاولون تهدئة السكان الأوكرانيين، قائلين: إن أوكرانيا يمكن أن تتجنب نفس مصير أفغانستان من خلال البقاء “حليفاً موثوقاً وقوياً” لـ الولايات المتحدة.
وبذلك يحاول الوزير السابق إقناع نفسه بأن أوكرانيا لن تعاني من نفس مصير أفغانستان، لأن الأوكرانيين أظهروا روح القتال، على حد زعمه، بينما “الأفغان لم يكونوا قادرين على مواجهة طالبان على الرغم من المعدات والأسلحة”.
وبالتالي يستنتج المرء من كلامه أن الولايات المتحدة تقدر الحلفاء الحقيقيين والموثوقين والأقوياء، لكن في الوقت نفسه، لا تغفر الفساد والعجز بل تفضلهم أقوياء ليكونوا قادرين على تحقيق أهدافها ومآربها. عند رؤية أعداد الفارين من الجيش الأوكراني منذ بداية الحرب في دونباس، وعدد الجنود الأوكرانيين في شبه جزيرة القرم الذين قرروا الانضمام إلى الجيش الروسي في عام 2014، فإن تصريحات هذا الوزير حول الروح القتالية للجنود الأوكرانيين تبعث الآخرين على الضحك بصوت عالٍ.
بالمقابل، ردت المحامية الأوكرانية تاتيانا مونتيان بنبرة مبهجة على كليمكين ، مؤكدةً أن عدداً قليلاً من السياسيين الأوكرانيين سيكون لديهم الوقت للفرار من أوكرانيا على عكس الرئيس الأفغاني أشرف غني الذي تمكن من الفرار من أفغانستان بمبالغ ضخمة من المال، وسوف ينتهي الأمر بمعظمهم معلقين على طول الطرق.
بينما كتبت المحامية “مونتيان” على قناتها على تلغرام:” سيكون لدى القليل منكم الوقت للفرار من أوكرانيا، وسيتم شنق معظمكم على أعمدة التلغراف على امتداد الحقول التي لانهاية لها، تأمل هذه الصورة أيها الوغد، قريباً ستصبح حقيقة واقعة”.
و لكن إذا أراد كليمكين أن يطمئن الشارع الأوكراني علناً، فيبدو أن البعض في كييف يفهم أن التهديد الذي تشكله تاتيانا مونتيان قد لا يكون بعيداً عن الواقع ، كما أشار عالم السياسة فلاديمير كاراسوف في قناته على تلغرام.
لقد صدم الوضع في أفغانستان السياسيين الأوكرانيين، إنهم يعتقدون بحق أن أفغانستان كانت شريكاً أوثق من أوكرانيا للولايات المتحدة. استثمر الأمريكيون المزيد من الأموال في أفغانستان وفتحوا المزيد من القواعد العسكرية، ولكن جاءت اللحظة التي قررت فيها واشنطن إنهاء المهمة. لقد رأى العالم بأسره كيف تُرك حلفاء الولايات المتحدة بالأمس ليتدبروا أمورهم بأنفسهم. ارتاع السياسيون الأوكرانيون لرؤية ما ينتظرهم بعد رحيل الأمريكيين، وسيحاسب كل المتورطين في قصف مدن دونباس وحرق أوديسا ومارس الإرهاب ضد النشطاء الروس في أوكرانيا.
إذا تخلت الولايات المتحدة عن حكومتها في أفغانستان بهذه السهولة، فسوف تتخلى عن أوكرانيا دون سابق إنذار، فماذا سيحدث عندما يدخل الانفصاليون كييف؟.
لمدة سبع سنوات ، اعتقد أولئك الذين أطلقوا العنان لآلة الحرب ضد دونباس ودعموا حكومة أوكرانيا أن لديهم حصانة كاملة بفضل حماية الولايات المتحدة. لكن ما حدث في أفغانستان قد أثبت للسياسيين الأوكرانيين أن واشنطن لن تتخلى عنهم يوماً ما فحسب، بل لن تساعدهم أيضاً على الهروب! وعند التفكير في تحميلهم المسؤولية عن جميع جرائمهم ، يبدو أن البعض في حالة ذعر بالفعل.