مع استلام الحكومة مهامها.. المطلوب ضرب عمق الفساد وليس تقليم الفروع
لم تلبث الحكومة الجديدة استلام مهامها حتى بدأ الرهان عليها في المرحلة المقبلة والحرجة، لاسيّما وأننا اليوم أمام العديد من التحديات الصعبة التي أخضعت الاقتصاد السوري لتشوهات عميقة غير نمطية، بفعل توقف المشاريع والأنشطة الخاصة بالمؤسسات الإنتاجية نتيجة الدمار والخراب الذي لحق بالبنى التحتية للقطاعات الإستخراجية والصناعية والزراعية والتجارية والخدمية ونقص الوقود وما رافقه من شح في الغاز المنزلي ومعاناة في تأمين المادة، ناهيك عن مشاكل النقل وندرة المحروقات التي رافقها شلل في حركة المواصلات، إضافة إلى ارتفاع نسبة الإنفاق الجاري في ظل تراجع إيرادات الدولة، وما نجم عن العقوبات الاقتصادية من ارتفاع نسب البطالة والتضخم الناتج عن قلة العرض، وزيادة التكاليف التي سببت ارتفاعاً حاداً في الأسعار إضافة لصعوبة تأمين السلع في الوقت المناسب، فهل ستلبس هذه الحكومة ثوباً جديداً في ظل المتغيرات الراهنة أم أنها ستنتهج الروتين والتكرار الذي اعتدناه لسنوات مضت؟
إصلاح إداري
خطط مترقبّة وتوقعات وطروحات تشرح داء ودواء الشارع السوري ومطلبه من هذه الحكومة والآمال الكبيرة المعقودة عليها في المرحلة الراهنة، ليترأس مطلب الإصلاح الوظيفي قائمة المطالب اللامتناهية، منطلقين من ضرورة هذا الإصلاح كونه المدخل والباب الرئيسي لمكافحة الفساد، إذ يجد عبد الرحمن تيشوري، استشاري تدريب وتطوير، أن المشروع الوطني الإداري الذي قدمته وزارة التنمية الإدارية لم يطبق حتى الآن، وفي حال تم تبنّيه سيكون له تأثير مباشر على الإدارة العامة ككل من خلال تطبيق مبادئ جديدة لتنظيم الإدارة، وتدريب الكوادر الحكومية وبرامج الجدارة القيادية واستثمار خريجي هذه البرامج وتحديد الولاية الإدارية، كذلك محاربة الفساد عبر سلسلة إجراءات أولها إحداث هيئة جديدة وحل مؤسسات الرقابة الحالية، وإقرار استراتيجية سورية لتشغيل الشباب وتعزيز المشاريع الصغيرة والصغرى وزيادة تمويلها، كذلك تطوير قانون العاملين ووضع قانون للمراتب الوظيفية، إضافة إلى العلنية والحوكمة والشفافية ونشر كل شيء عن كل الجهات العامة وعن عمل الوزراء والمحافظين والمديرين، وغيرها من الجوانب التي ستنحي الجوانب السلبية في الإدارة العامة بسورية وتصحح طريق الوظيفة العامة بما ينعكس حتماً بشكل إيجابي على باقي القطاعات. ويجد تيشوري ضرورة أن يكون لوزارة المالية بشكل خاص برنامج جيد لإصلاح إدارتها وإدارة مواردها البشرية، إضافة إلى ضرب عمق الفساد وليس تقليم الفروع، فالرواتب الضعيفة تشجع على الفساد والرقابة مترهلة لاحقة انتقائية غير فعالة تحمي الفساد والفاسدين المرتكبين، وعدم وجود معايير ونظم انتقاء وتقييم للمديرين، ناهيك عن التعليم التلقيني البصمي الذي يؤسس جيل غير قادر على الإبداع.
ترتيب الأولويات
يُجمع أهل الاقتصاد على ضرورة سحق الفساد وتطوير آليات دعم الصناعة لانتشال اقتصادنا من حالة الشلل الراهنة، وإدارة قطاعات الاقتصاد إدارة طوارئ، ليؤكد زكوان قريط، كلية الاقتصاد، ضرورة انطلاق عمل الحكومة الجديدة من تحسين الوضع المعيشي بشكل عام من خدمات وضبط الأسعار ومحاربة الفساد والأهم من ذلك استغلال الموارد المتاحة الاستغلال الأمثل والحد من الهدر في القطاع العام، وأن يكون المواطن الفقير هو الهدف، وعرّج قريط على نقاط الضعف التي يعاني منها اقتصادنا والتي يتصدرها غياب تنفيذ الخطط المتكاملة والمتناسقة لمختلف القطاعات وبقاء معظمها حبرا على ورق، والتنفيذ الوهمي وهو الأخطر، وعدم وضوح السياسات الاقتصادية (هوية اقتصادية وطنية محددة) خاصة خلال فترة الأزمة، وضعف تكامل السياسات النقدية والمالية، لذا لابد من أن تضع الحكومة الجديدة الأولويات للقطاعات الاقتصادية ودعم المشروعات الصغيرة، خاصة قطاع الزراعة لاسيما وأننا بلد زراعي، وصولاً للأمن الغذائي المحلي والاكتفاء الذاتي، إضافة إلى ضرورة مكافحة الهدر وتشجيع تصدير بعض المنتجات النوعية وضبط الاستيراد وحصره في المواد الضرورية. ويرى قريط ضرورة إعادة هيكلة القطاع العام وتغيير الإدارات الفاشلة ودمج بعض المؤسسات وإشراك القطاع الخاص للنهوض بها، مع دراسة أي قرار يصدر بشكل جيد والإلمام بكل تبعاته وتأثيره، إضافة إلى إعادة النظر بآلية توزيع الدعم لبعض السلع واقتراح تحويلها إلى دعم نقدي بدلاً من المادي لأن فيه الكثير من أبواب الفساد.
دعم البحث الزراعي
ولأن الزراعة هي قاطرة النمو الاقتصادي، كان لا بدّ من وضع الفلاح بوصلة في العمل الزراعي، والسعي لتحويل النمو الزراعي من الكم إلى النوع. وبرأي مهند الأصفر، خبير زراعي، هناك ضرورة لوضع القطاع الزراعي نصب أعين الحكومة في هذه المرحلة الحساسة ودعم البحث العلمي مادياً ومعنوياً وتسويق منتجات البحوث الهامة لا أن تبقى حبيسة الأدراج، وتغيير سياسة الدعم الزراعي وشراء كامل منتجات الفروج أو البيض من قبل جهات التدخل بسعر الكلفة مع هامش ربح من المنتج تشجيعاً لاستمرار عمله وبيعه للمواطن بسعر الكلفة، كذلك لا بدّ من تأمين البذار الجيد والمازوت والسماد ومصادر الري الرئيسية والكهرباء، والابتعاد عما تقوم به الحكومة اليوم من تقديم الوهم للفلاح بأنها ستقدم وستدعم وتسعّر له إنتاجه دون أن تحقق له الكلفة الحقيقية مع تضييق الخناق بقرارات وتعليمات تحد من عمله، لذا لابد من دراسة وتطوير زراعة المحاصيل العلفية وإنتاجها محلياً ضمن الظروف الحالية وإدخالها ضمن الخلطات العلفية كبديل للمواد العلفية المستوردة والتي تدخل بشكل كلاسيكي نمطي قد لا يحقق الفائدة المرجوة، كذلك يجب دعم المربي الفعلي فقط لا حسب الجداول الوهمية التي يقدمها أصحاب الجمعيات وبعدها يتم بيعها بالأسواق المحلية بأسعار مضاعفة، مع استيراد المواد العلفية كافة من قبل المؤسسة العامة للأعلاف وتقديمها وفق سياسة دعم محددة بالأسعار المدروسة منعا للاحتكار وطرحها بالسعر المدعوم المتاح لكافة المربين، ونوّه الأصفر إلى ضرورة مراقبة عمل مستوردي الأعلاف “علفي- تجاري- صناعي” لتداخل عملية الاحتيال فيها، مع ضرورة توحيد جهات الإشراف على أسعار الأعلاف والمنتجات من حليب ومشتقاته ومراقبتها في صالات التدخل الإيجابي حسب الطاقات الإنتاجية لديها.
سوق عمل
ولو ألقينا نظرة إلى مطالب الفئة التي من المفترض أن تكون الأكثر إنتاجاً، لكنها فعلياً هي الأكثر حاجة للعمل (فئة الشباب)، لوجدناها فقدت الأمل بإصلاح حالها، فلم تكن الأزمة هذه المرّة شمّاعة للبطالة المستشرية في بلدنا اليوم، إذ يؤكد الأكاديميون عدم نجاح الحكومات المتعاقبة في إيجاد حلول جذرية لربط مخرجات التعليم بسوق العمل ومعالجة أزمة البطالة التي تفاقمت خلال الأزمة وكانت دافعاً للكثير من الخريجين للهجرة التي لم تتوقف حتى الآن بالرغم من أن الحرب شارفت على النهاية، ولأن الحكومة لا تملك “عصا سحرية” لتوظيف جميع الخريجين في كل عام كان لأهل العلم طروحات عسى ولعلّ تجد طريقها في الحكومة الجديدة، إذ يجد الدكتور إياد الصفدي”أدب عربي” ضرورة دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتشجيع جيل الشباب على تأسيس مشروعاته الخاصة بدل البقاء رهن عقلية تقليدية تعتبر الوظيفة الحكومية الأفضل والأكثر أماناً واستقراراً، مع ضرورة تغيير السياسة التعليمية والتي تعتمد على المفهوم النظري أكثر من التطبيق العملي في أغلب مفاصل الجامعات الأمر الذي يستدعي التنسيق بين وزارة التعليم ووزارة الصناعة والشؤون الاجتماعية والعمل، وصولاً إلى مخرجات تعليم تكون مؤهلة ومستعدة للانخراط بسوق عمل، كما يجب على الجامعات الإطلاع على سوق العمل السوري بالتالي تغيير المناهج التي تدّرس في جامعاتنا بما يتناسب مع هذه السوق، الأمر الذي من شأنه ردم الهوة أو الفجوة الناشئة بين الدراسة النظرية والواقع العملي التطبيقي، مع ضرورة أن ترسم الحكومة الجديدة لها خطاً في إعادة الإعمار بالتالي خلق مواقع عمل اقتصادية جديدة للفئة الشابة بدلاً من التفكير بالهجرة، إضافة إلى إعادة التفكير بهيكلة الرواتب والأجور التي لا تتناسب إطلاقاً مع الوضع المعيشي الصعب والتي تفتح أبواب الفساد على أوجها.
ميس بركات