دراساتصحيفة البعث

انتصار “طالبان”.. هل يقود إلى تعبئة أخرى؟

الدراسات

أثار سقوط كابول عدداً من التساؤلات حول مستقبل الحركة، بدءاً من الخطط التي تدرسها المنظمات الإرهابية، مثل “القاعدة” وتنظيم “داعش”، إلى ردّ فعل الفصائل الإرهابية الأخرى مثل “هيئة تحرير الشام” التي تعتبر “طالبان” نموذجاً لها. وبغضّ النظر عن وعود “طالبان” بإبقاء العناصر الإرهابية الأجنبية تحت سيطرتها، إلا أن سيطرتها على أفغانستان ستعزّز دور العناصر الإرهابية الأجنبية خارج الحركة، وقد يؤدي مرة أخرى إلى انتقال المقاتلين الأجانب إلى أفغانستان.

تاريخياً، تتمتّع أفغانستان بسجل حافل بتعبئة الإرهابيين الأجانب، والشبكات الإرهابية الموجودة، وما لا يقلّ عن بضعة آلاف من المقاتلين الموجودين بالفعل على الساحة، لذلك من المرجح أن يؤدي انتصار “طالبان” إلى تعبئة أخرى.

وضع المقاتلين الأجانب في أفغانستان

في كانون الأول 2018، قال قائد كبير في “طالبان” لشبكة “إن بي سي نيوز” إن الحركة لديها نحو 2000 إلى 3000 مقاتل أجنبي جاء معظمهم من باكستان، وشينجيانغ، وطاجيكستان، وأوزبكستان، والقوقاز، وتونس، واليمن، والسعودية، والعراق. وبالمثل، فإن تنظيم “داعش” لديه مجموعة من الإرهابيين الأجانب انضموا إلى صفوفه في أفغانستان. صحيح أنه يصعب تحديد رقم محدّد لهم، لكن جزءاً كبيراً من قيادات “داعش” هم من باكستان.

وإلى جانب هذين التنظيمين، تواصل الجماعات الأخرى التي يديرها الأجانب العمل في أفغانستان أيضاً، بما في ذلك “الحركة الإسلامية لأوزبكستان- كتيبة الإمام البخاري- الحزب الإسلامي التركستاني”. وتعتبر المجموعة الأخيرة مصدر قلق كبير للصين نظراً لجذورها في مقاطعة شينجيانغ في البلاد.

ردود فعل الإرهابيين 

عبّر العديد من عناصر حركة “طالبان”، وخاصة الأفراد المرتبطين بشبكات “القاعدة” أو “هيئة تحرير الشام” عن سعادتهم باستيلاء “طالبان” السريع على السلطة، معتبرين ذلك تأكيداً على أن “صبرهم” سيجلب لهم الحظوة لاحقاً. في المقابل، لم يعلق أي من “القاعدة” المركزية ولا فروعها رسمياً حتى الآن، إلا أن ردود الفعل عبر الإنترنت تشير إلى أن المنظمة الإرهابية ستحتفل رسمياً بالنصر في وقت ما. ومن المحتمل أن يكون قادة “داعش” غير راضين عن رؤية “طالبان” تجدّد نفسها على أنها ما يسمّى بـ”الإمارة الإسلامية في أفغانستان”، لأن الانتصار سيزيل بريق مشروع خلافة “داعش” في العراق وسورية.

ناهيك عن الاقتتال الدائم بين التنظيمين، فقد كانت “طالبان” و”داعش” تتقاتلان منذ عام 2015، عندما أعلن “داعش” لأول مرة عن وجوده في أفغانستان. لذلك يبدو أن هذه الأعمال العدائية ستستمر، وستواصل “طالبان” -بلا شك- جهودها لقمع عمليات “داعش” في أفغانستان، وما يعزّز هذه الفرضية هو أن تنظيم “داعش” لا يزال يكره ما يعتبره أوجه قصور في أيديولوجية “طالبان”. وعلى سبيل المثال، يتهم قادة “داعش” “طالبان” بالتساهل المفرط في حالات البدع “الابتكارات الدينية الهرطقية”، كما يزعم أن “طالبان” قد أصدرت تعليمات لمؤيديها بعدم مهاجمة المساجد أو الأضرحة، بل أرسلت أعضاءها لحضور الاحتفال بيوم عاشوراء. وهنا، من المرجّح أن يقوم تنظيم “داعش” بجلد “طالبان” على مثل هذه الأعمال.

مسار غير معروف

على الرغم من أنه لا يمكن لأحد التنبؤ بمسار الأحداث في أفغانستان، إلا أن العديد من التطورات تستحق مزيداً من الاهتمام. فقد أدى استيلاء “طالبان” على زمام الأمور إلى عمليات هروب من السجون وإطلاق سراح نشطاء “القاعدة” أو مجموعات أخرى، كما كان لسقوط قاعدة باغرام الجوية أهمية خاصة في هذا الصدد، لأنها كانت تحتجز أهم سجناء “القاعدة”، ومن المرجح أن يؤدي هذا التدفق من قدامى المحاربين الإرهابيين إلى تحفيز جهود “القاعدة” لإعادة بناء بنيتها التحتية المحلية. ولكن بدون معلومات حول من هرب بالضبط، من الصعب تحديد ما إذا كانت الشخصيات ذات الأهمية التاريخية لا تزال داخل “القاعدة”، أو أن هناك شخصيات أحدث هذه الأيام، سواء كانوا مقاتلين محليين أو إقليميين.

ولسد هذه الفجوة وتمكين تقييمات أفضل لمستقبل “القاعدة” في أفغانستان، يجب رفع السرية عن أسماء الشخصيات الرئيسية المعتقلة في باغرام والمنشآت الأخرى. والسؤال هو: كم عدد عناصر “القاعدة” خارج أفغانستان الذين سيحاولون العودة الآن بعد أن أصبحت “طالبان” في السلطة؟ على سبيل المثال قد يكون من بين العائدين المحتملين الأعضاء الذين انتقلوا من أفغانستان إلى سورية خلال العقد الماضي للمساعدة في الفروع المحلية للتنظيم مثل “جبهة النصرة”، ولاحقاً “حراس الدين” بعد أن قرّرت “هيئة تحرير الشام” التخلي عن “حراس الدين” والتركيز على أن تصبح سلطة محلية مستقلة.

وعند التفكير في كيفية منع عودة الإرهابيين إلى أفغانستان، من المهمّ أن نتذكر أن البنية التحتية لمكافحة الإرهاب التي تمّ بناؤها منذ الحادي عشر من أيلول ستمنح القائمين عليها خيارات أكثر قوة مما كانت لديهم من قبل. لكن البنية التحتية الاستخباراتية التي اعتمدت عليها واشنطن على مدار العشرين عاماً الماضية تتغيّر الآن أو تختفي تماماً، لذلك قد يكون من الصعب اعتراض العمليات الإرهابية الخارجية المستقبلية من قبل “القاعدة” والجماعات الأخرى.