أخبارصحيفة البعث

جولة هاريس بين تغطية الانسحاب وإثارة أزمة جديدة

طلال ياسر الزعبي:

في إطار حملة منظمة تقودها الإدارة الأمريكية الجديدة لشيطنة الصين ودقّ إسفين بينها وبين جيرانها الآسيويين، تواصل هذه الإدارة تضليل هذه الأطراف من خلال محاولة إيهامها بأن التنين الصيني سيعمل على ابتلاعها تدريجياً عبر نفوذه المتزايد في بحر الصين الجنوبي، الذي هو أصلاً مجال حيوي لهذا البلد المترامي الأطراف، بينما تعمل جادّةً على إيجاد موطئ قدم لها في هذه البقعة من العالم عبر تسميم علاقات الصين بجيرانها.

ففي الوقت الذي تؤكد فيه هذه الإدارة أنها مشغولة بكل أجنحتها في إتمام عملية انسحابها المخطط له من أفغانستان بعد احتلال دام نحو عشرين عاماً، وبالتالي الخروج من الحديقة الخلفية الحساسة للصين، هاهي تحاول بأيّ شكل الولوج إلى الصين عبر خاصرتها الجنوبية في شرق آسيا، حيث بدأت نائبة الرئيس الأمريكي، كامالا هاريس زيارة إلى دول شرق آسيا ابتداء من سنغافورة، التي أطلقت فيها تصريحات معادية للصين متهمة إياها بالإكراه والترهيب ومتعهّدة “بجعل منطقة المحيط الهادئ الهندية حرة ومفتوحة”.

هذا الاستغلال الغريب لانشغال العالم بالوضع الأفغاني الناشئ عن الانسحاب الأمريكي المتسرّع من أفغانستان وما أحدثه هذا الانسحاب من هواجس إقليمياً وعالمياً، يوحي بأن وراء الأكمة ما وراءها، حيث عمدت هاريس منفردة وبالوكالة عن الإدارة الأمريكية مجتمعة إلى العمل بشكل محموم على تفجير أزمة جديدة مع الصين في منطقة تعدّ معبر الصين البحري المهم إلى العالم، وذلك من خلال تحريض ممنهج عليها في جميع المحطات الآسيوية لزيارتها، مستخدمة عبارات من قبيل: “هناك حاجة لزيادة الضغط على بكين وتحدّي تنمّرها” في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه.

وبعد بانكوك بدأت نائبة الرئيس الأمريكي زيارة لفيتنام الشيوعية في محاولة لتعزيز تحالفات بلادها في مواجهة الصين، غير أن عمليات الإجلاء الفوضوية في أفغانستان تلقي بظلالها على هذه الجولة وتثير الذكرى القاتمة لسقوط سايغون في عام 1975.

تصريحات هاريس في فيتنام المتطابقة مع تصريحاتها السابقة في سنغافورة، تنمّ عن أن الإدارة الأمريكية تنوي فعلاً صرف الأنظار عن خسائرها في مناطق متعدّدة من العالم من خلال تفجير أزمة جديدة مع الصين، ولكن غايتها الحقيقية هي الوصول إلى شواطئ الصين الجنوبية عبر نسج شبكة علاقات مع جيرانها، حتى لو اختلفت هذه الدول جذرياً في سياساتها مع واشنطن، فهل ستتمكّن واشنطن من شق وحدة المصير القائمة بين هذه المجتمعات، وخاصة أنها تنتمي فكرياً إلى أيديولوجيات متقاربة، ولا يزال مثال المستنقع الفيتنامي ماثلاً في أذهان جميع دول المنطقة؟.

لذلك لا بدّ من النظر إلى هذا التحرّك الأمريكي في المحيط الهادئ على أنه يأتي استكمالاً للسياسة الأمريكية الهادفة إلى إثارة النزاعات حول العالم، وأن تزامنه مع الانسحاب من أفغانستان ليس بريئاً على الإطلاق.