عملاء أمريكا.. المصير الواحد
د. معن منيف سليمان
تعدّ الصور التي التُقطت من مطار العاصمة الأفغانية كابول أنموذجاً جديداً لمصير العملاء المتعاونين مع الأمريكيين. فقد أعاد مشهد الحشود التي اجتاحت المطار صباح اليوم التالي لسيطرة حركة طالبان على العاصمة، الذاكرة نحو حوادث تاريخية مماثلة للعملاء الأمريكيين في فيتنام، والخيبة التي لحقت بهم بعد رحيل القوات المحتلة لبلادهم.. فالتخلي عن العملاء وتركهم لمصيرهم ليس جديداً على السياسة الأمريكية، بل يعبّر عن تقاليد راسخة كثيراً ما انتهجتها الولايات المتحدة في علاقاتها مع عملائها.
وفي مشهد ما زال راسخاً في ذاكرة كل من تابع الانسحاب الأمريكي من فيتنام عام 1975، تقترب مروحية تابعة للجيش الأمريكي من سطح السفارة الأمريكية في سايغون لتخلي الدبلوماسيين والعسكريين الأمريكيين، وبينما يحاول العملاء حجز مقعد لهم على متن تلك المروحيات، كان يتمّ انتقاء الأمريكي ودفع العملاء بعيداً لكي لا يعيقوا سحب الأمريكيين، فالأولوية للأمريكي.
وتعدّ عملية “الريح المتكررة” التي خُصّصت لإجلاء الدبلوماسيين والعسكريين الأمريكيين من سايغون واحدة من أكبر عمليات الإجلاء الجوي في العالم، وبينما أعطيت الأولوية للأمريكيين احتشد العملاء الفيتناميون، الذين أصابتهم حالة هستيرية من الخوف في المطار ومحيط السفارة الأمريكية، في محاولة للحصول على مقعد، لكن عقب سحب آخر جندي أمريكي من سطح السفارة اكتشف كثير من العملاء أن مشغليهم غادروا وقد تخلوا عنهم بالفعل بلا رجعة.
لقد دأبت الولايات المتحدة على التخلي عن حلفائها عندما يصلون إلى وضع لا يستطيعون أن يقوموا فيه بالأدوار التي تدعمهم لأجلها، وسياسة أمريكا أن العميل كعود الثقاب يستخدم لمرة واحدة ثم ينتهي بالنسبة لهم، وتاريخ الولايات المتحدة حافل بالغدر والخيانة لعملائها، لأن السياسة الخارجية الأمريكية قامت على أنه لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة، وإنما هي حسب المصالح تكون العلاقة دائمة.
وقائمة الغدر بعملاء الولايات المتحدة الأمريكية طويلة، وهناك أمثلة يصعب حصرها، ولكن للأسف لا زال هنالك من يثق بها ويضع كل “بيضه” في سلتها، وينفذ كل أوامرها وإملاءاتها. ومن خلال الآلة الإعلامية الأمريكية تستطيع قلب الحقائق من أجل أن تنهي حاكماً وتأتي بحاكم آخر، ولقد غدرت بالكثير من الحكام والرؤساء العرب وغير العرب لا مجال لذكرهم. وفي ظل المأزق الأمريكي الحالي، فإن احتمال التخلّي عن المزيد من العملاء يبقى كبيراً، وهذا شيء ليس مستغرباً، فقد دفع التورّط في الحرب على سورية أمريكا مجدداً إلى تغيير سياساتها، ومن هذا الباب يبدو أن التخلي عن عملائها مما يُسمّى قوات سورية الديمقراطية “قسد” أمر متوقع.
إن أمريكا لا حليف لديها ولا صديق لها، فهذه هي السياسة التي دأبت عليها على مرّ التاريخ الأمريكي، إلا أن كثيرين من العملاء لا يتعظون إذ ظنوا، وهم واهمون في ظنهم، أن أمريكا هي قوة عظمى وممكن أن تضمن لهم الاستمرار في السلطة، ولكن انتهاء أطول حربين في تاريخ الولايات المتحدة بهذا الشكل أظهر تصرفاً متكرراً من أمريكا بالتخلّي عن عملائها في اللحظات الحرجة، وعدم الاهتمام بسلامتهم في أثناء الانسحاب.