ماذا عن المفسدين؟
غالية خوجة
أن تكون معارضاً يعني أن تكون رائياً للأفضل والأجمل والأكثر فائدة وبناء للموضوع الذي تعارضه سواء كان ثقافياً، فنياً، سياسياً، قانونياً، اقتصادياً، تجارياً، طبياً، أو كان بأبعاد أخرى تخص العلاقات الإنسانية والاجتماعية. وللمعارض أن يفحص المحور الذي يعارضه، يشخّصه سريرياً، تشريحياً، اجتماعياً، وقانونياً، ويبحث له عن مقترحات وحلول أفضل، على أن تكون ضمن الإمكان في الزمان والمكان، لتكون قابلة للتحقق والإنجاز والإضافة لكل ما هو مؤسس على الإيجابية والجمال والطمأنينة والسلام والمدنية والحضارة، فلا يعقل أن يكون المعارض الطامح للأفضل العام الوطني سلبياً، مدمراً، قاتلاً، فتّاكاً، حاقداً، باحثاً عن مصلحته الخاصة حتى لو دمّر المجتمع والوطن والماضي والحاضر والمستقبل وذاته أيضاً، معارضاً ووطنياً، لأن أهم ما يميز المعارض الإيجابي الأخلاق، وثورته على نواقص وشوائب أخلاقه أولاً، ليستقيم وتستقيم قيمه ومبادئه وأهدافه وطريقة تحقيقها، ثم ليرى ما ينقص الموضوع الذي يعارضه ليضيف إليه إيجابيات مناسبة متلائمة وملائمة للصالح العام الوطني.
ضمن هذا المنظور الشفاف، يصبح الجميع في سوريتنا الحبيبة معارضاً للخيانة والفساد والمعارضين السلبيين المدمرين الإرهابيين، كما أن الجميع يكون معارضاً إيجابياً ويشكّل ثورة جديدة ومتجددة على الإرهاب والخيانة والظلام والفساد، ولذلك، قد لا تقتنع الغالبية بـ “المعارض الوطني” مهما ظهر “سلمياً” لأنه، فقط، لم يحمل السلاح المادي، ولم يسفك الدماء بشكل مباشر، في العشرية الإرهابية التي انتصرت عليها سوريتنا الحبيبة، لماذا؟
لأسباب كثيرة، منها أنه من الممكن أن يكون جزءاً من الخلايا الإرهابية المتنوعة المهام والوظائف، والتي ساهمت في سفك الدماء وتدمير الوطن بشكل غير مباشر، وبطريقة تعبئة معنوية ونفسية واجتماعية وفنية وثقافية وإعلامية وإلكترونية حتى لو كانت بكلمة سُمية داخل الدسم، أو خبر مزيف ومنافق ومضاد للوطن مغلف بمحبة الوطن، أو من خلال الكتابة بكافة أجناسها وتلاوينها والفنون المختلفة التشكيلية والمسرحية والموسيقية والإعلامية والإعلانية والسينمائية والتلفازية، أو ناشر نكتة مغرضة، ومزحة ليست عابرة، وفكرة مسمومة، وشائعة نفاقية وأنفاقية، حتى لو لبست عباءة البراءة، لأنّ ما تحت العباءة ليس سوى الإرهاب والخيانة والتدمير والفساد، فكم من متخفٍّ بهذه العباءة ويثبت أنه ما زال مقيماً في الوطن، ويتنقّل بين بلد وآخر بحجج كثيرة، بينما لا يقل خطره عن المقيم خارجه من هؤلاء المعارضين، كونه “بنك معلومات” للذين في الخارج، كما أنه يلعب دوراً ظلماتياً في الداخل، لكن بطريقة “مخملية”.
وهناك نوع غبي من “المعارض الوطني” الذي ساهم بوعي أو دون وعي، في العشرية الظلامية، كيف؟
حين برز في التوقيت المخطط له لقيامة الجحيم العربي، وبدأ يردد ما يردده الأعداء، متناسياً أن الأعداء أنفسهم لا يعرفون الحرية والديمقراطية والتطور السريع الذي يحتاج لعصا سحرية، وربما مازال يصرخ ويطالب في التغيير والانتقاد السلبي، لكن، ما “ضرّ لو كان جلس” كما يقول أبو تمام، وفكّر، وصبر، وكان إيجابياً، ومدافعاً عن وطنه، ريثما تعبر غيمة الإرهاب السوداء، لنثق بأنه ليس من أصحاب النوايا السيئة التدميرية على الأقل.
أمّا ماذا عن الذين وقفوا على الحياد والصمت، أو كانوا “معهم معهم.. وعليهم عليهم”؟ وماذا عن المنافقين الذين أيّدوا الطرفين المتحاربين؟ والأهم من ذلك، ماذا عن المفسدين الذين أفسدوا ويفسدون في هذا الوطن؟ هل هم من المعارضين أم الجحيميين؟ أم الخلايا الإرهابية النائمة والمتحركة التي تؤدي مهامها التدميرية ببطء وهدوء؟ ألم يسألوا مرة أحد المخربين الجواسيس في بلد ما: ماذا فعلت حتى دمرت ولم تلتقِ مع المخابرات المعادية؟ أجابهم: “وضعت الرجل المناسب في المكان غير المناسب”.