الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

أدونيس/ المتنبي!

حسن حميد

هل تحدث المفاجأة المنتظرة، في خريف هذا العام 2021، ويفوز الشاعر العربي المعروف أدونيس بجائزة نوبل، ولاسيما أن اسمه عاد ليكون بين الأسماء الأدبية المرشّحة لنيل هذه الجائزة؟! وما الذي سيحدث لو فاز أدونيس بهذه الجائزة، وهو يجوز بإبداعه النايف عقوداً تسعة لم تخلُ يوماً من الآراء المتشابكة إلى حدّ التحارب والمناددة حول تجربته وأفكاره ورؤاه المستقبلية، أسئلة تجولُ في أذهان الآخرين مثلما تجول في وجداننا.

للإجابة أقول، إذا ما فاز أدونيس بجائزة نوبل فهو سيضع الشعر العربي في منطقة حسنة الإضاءة، وفي علوة عالمية لم يعرفها من قبل، ولاسيما أن لا كثرة في عدد الشعراء الكبار المرشّحين لنيل الجائزة، لا بل يكاد أدونيس يكون المرشّح الأبرز والأهم بينهم، وإذا ما فاز بهذه الجائزة فإنه سيقطع مسافة زمنية تقدّر بـ ألف سنة كيما يلاقي صنوه المتنبي الذي ملأ الدنيا بشعره وشغل الناس فكان قمر الشعر أينما حلّ، وكيفما طاف، وإن غاب أو حضر، وفي هذا التلاقي بين أدونيس والمتنبي علو إبداعي نادر المثال والصورة والأهمية، لأن كلاهما عاش للشعر إلى حدّ أن مدوّنة كل منهما تصلح لأن تكون مدوّنة للحياة تاريخاً واجتماعاً وسياسة وخيبات وأحلاماً.

إذا ما حدث وفاز أدونيس بجائزة نوبل لهذا العام فإن الكثير من الآراء النقدية التي واكبت شعره من جهة، وحياته من جهة أخرى، سيعاد النظر فيها لأن الأماديح كانت مرتجلة، ولأن المقذوفات الكارهة كانت مرتجلة أيضاً، ولأن الأهواء والنوازع كانت وراء كل مرتجل خصّ شعر أدونيس وحياته!.

إن المراجعة النقدية لشعر أدونيس، إذا ما توافرت لها العقول النابهة ستكون لصالحه لأن شعره أعطى خصوبة للشعر العربي في زمن متهالك في قوامه، خائر في قواه، باهت في حضوره، إنه زمن يشبه الزمن الذي عاش فيه ابن الفارض، وصفي الدين الحلي، وليس فيه من صور ضوئية سوى أشعارهما، والمراجعة لكل ما قيل عن حياة أدونيس وآرائه الفاقعة في تطرفها ستكون لصالحه أيضاً لأنه رأى ما لم يره غيره، وإن رأوه طمروه، بينهما هو نشره وأذاعه من دون فزع أو ارتجافة قلب، وإذا ما فاز أدونيس بجائزة نوبل فإنه سيغمر مدوّنة الشعر العربي الحديث، وعمرها مئة سنة وأزيد، بأضواء لم تعرفها أو تحلم بها من قبل، وأن الدروب إليها ستتعدّد، والقولات فيها ستصير أوفى، وإنصاف شعرائها سيكون أشبه بردّ الاعتبار للشعر العربي الحديث الذي لحقت به آراء فيها من العسف ما فيها، وفيها من الابتذال والسذاجة ما فيها أيضاً.

وإذا ما فاز أدونيس بجائزة نوبل هذه السنة فإن الكثير من القولات الموجعة التي وُجّهت لنزاهة هذه الجائزة ستتوارى وتختفي لأنها اختارت شاعراً عاش للشعر والإبداع، وبهما أرّخ لحياة شعبه مثلما أرّخ لجماليات جديدة بكر للقصيدة عالمياً كيما تتجدّد دماء الشعر بالتثاقف العالمي المشترك من جهة، وبالمواهب النادرة في الحضور والعطاء من جهة أخرى.

وأقول أيضاً، لعلّ الغرب الذي يمنح جائزة نوبل سنوياً، وقد أوجع العرب بآرائه وسلوكياته طوال قرن من الزمان وأزيد، يتنبّه، ولمرة ثانية (بعد أن كانت المرة الأولى تقديراً للنثر العربي خُصّت بها تجربة نجيب محفوظ)، بمنح جائزة نوبل لأدونيس كيما يقول جهاراً إن لعالم الثقافة والإبداع عيناً أخرى ترى مالا تراه عين السياسات البغيضة.

Hasanhamid55@yahoo.com