الجدوى الاقتصادية من الندوات والدورات والملتقيات
تحت عنوان وآخر، من المعتاد أن يتم سنوياً -مركزياً وعلى مستوى المحافظات ومراكز المناطق- انعقاد العديد من المؤتمرات والاجتماعات الدورية أو العرضية، وطبقاً للأنظمة لا يجوز أن تنعقد المؤتمرات والاجتماعات ما لم يكتمل النصاب الذي يوجب حضور 50% + ا على الأقل من مجموع الأعضاء، ولعقود مضت كثيراً ما كانت نسبة الحضور تزيد عن 90%، ولكن السنوات الأخيرة شهدت انخفاض نسبة الحضور إلى ما يقارب النصاب المطلوب، بل وقد حدث لدى أكثر من جهة عدم اكتمال النصاب، واقتضاء التأجيل لموعد آخر بفاصل زمني لا يقل عن يوم، ومن ثم لوحظ تأجيل الانعقاد لساعة بعد الموعد الأصلي في نفس يوم الدعوة الرسمية، وانعقاده بمن حضر، لا بل قد يتم انعقاد العديد من الاجتماعات بمن حضر دون التوقف عند نسبة الحضور الضعيفة.
كل ذلك يعود لأسباب شتى، وفي طليعتها ضعف الجدوى المتحققة من هذا الاجتماع أو ذاك من وجهة نظر المدعوين له.
أيضاً من المعتاد انعقاد العديد من الندوات والملتقيات والدورات التدريبية وورشات العمل، والمحاضرات المتخصصة أو المتعلقة بالثقافة العامة التي هي من نشاط الجهات الرسمية، والمنظمات الشعبية، والجمعيات الأهلية ولا تتطلب نصاب حضور، ولكن قد يحظى حضورها برغبة البعض أو التزاماً بتوجيه أو تكليف قد يقارب حدود الإلزام، ولكن لوحظ تدني نسبة الرغبة وكذلك نسبة الالتزام بالتوجيه أو التكليف لأسباب عديدة، وفي طليعتها ضعف القدرة على تحمل تبعات الحضور المادية، وضعف القناعة بالمنفعة المرجوة والجدوى المتحققة من الحضور، الذي كان في سابق الأيام بالمئات وانخفض ليصبح بالعشرات، ومن ثم تدنَّى في مناسبات عديدة إلى الآحاد – أي دون العشرة – أكثر من مرة.
لا يخفى على أحد أن ما من مؤتمر أو ملتقى أو دورة تدريبية أو ….إلا وتترتب على أثره نفقات مادية إعداداً وتنفيذاً، تتحمل بعضها الجهة المنظمة، لصالح المكاسب المادية للمحاضرين والمدربين والمشرفين من بعيد أو قريب، عدا عما يتحمله المدعوين من الوقت ومن تكاليف السفر من حسابهم أو حساب الجهات التي يمثلونها، ما يوجب أن يؤخذ بعين الاعتبار أهمية دراسة الجدوى المتحققة من هكذا مؤتمرات وملتقيات ودورات وندوات ومحاضرات…. قياساً بمجمل التكاليف المتحققة، وليكن ذلك من خلال استبيان موجز مؤتمت يتضمن مجموعة أسئلة لاستنباط وجهة نظر الحضور في الفوائد المتحققة من المناسب، ويوزع على جميع الحضور، ويجمع منهم عقب الخاتمة ويدرس معلوماتياً بسرعة من الجهة المنظمة، وتنشر نتيجته حاسوبياً خلال دقائق، بحيث تسفر الدراسة الموضوعية لإجابات الاستبيان عن معرفة الجدوى العامة المتحققه من المناسبة، قياساً بمجمل التكاليف.
المصلحة الوطنية تقتضي جهوداً حثيثة لوضع حد لهدر كثير من المال العام والخاص دون تحقيق مردودية مفيدة، وهذا لا يعني أبداً الحد من هذه المؤتمرات والندوات والملتقيات وورشات العمل …فهي حاجة وطنية، بل ضرورة العمل الجاد للإعداد لها وتنفيذها بما يحقق الجدوى الأعلى الواجبة التحقق منها، قياساً بالتكاليف العالية لهذه المناسبات، والتي تتحمل الجهات العامة جزءاً كبيراً منها، والحال نفسه بالنسبة لضعف الجدوى المتحققة من إيفاد البعض في بعثات اطِّلاعية خارجية، الذي كثير منهم لا يسأل عما فعل خلال بعثته، بل وقد لا يتاح لبعضهم استثمار ما استفاد منه في ميدان عمله.
ما دفعنا لكتابة هذه المادة ضعف الجدوى الفعلية المتحققة قياساً بالمرجوة والتكاليف المترتبة، من خلال الحضور الشخصي للعديد من هذه المناسبات التي عايشنا الكثير منها ميدانيا، نتيجة الحرص الشديد السابق والمستمر على حضور ما يتيسر منها، وبعض ما نشكو منه حدث معنا شخصياً أثناء وجودنا على رأس عملنا الوظيفي وبعد التقاعد، ما يجعل من المقتضى أن تجهد الجهات الرسمية لأن تسفر هذه المناسبات عن تحقيق أكبر منفعة بأقل كلفة، وأن تأخذ بعين الاعتبار أن الانخفاض المتتابع في عدد الحضور في المؤتمرات والاجتماعات والندوات والدورات والمحاضرات الثقافية ظاهرة خطيرة جداً، يجب التوقف عندها، والأخطر من ذلك ظاهرة تدني عدد ونوعية المداخلات من الحضور، وضعف وضبابية بعض الردود عليها من الذين يجلسون على منبرها، والأسوأ من ذلك تكاسل الجهات المعنية عن استثمار الطروحات الإيجابية التي يتم عرضها ومناقشتها، بما في ذلك تنفيذ القرارات وإيلاء التوصيات الأهمية المطلوبة.
عبد اللطيف عباس شعبان / عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية