الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

مُناكفة جديدة

عبد الكريم النّاعم

يبدو أنّ صديقي المُناكف، رغم اختلافنا الجذريّ، لم ييأس، أو ربّما كان يستجيب لإلحاح المُناكفة في تكوينه، فقد فاجأني بزيارة جديدة، فرحّبتُ به قائلاً في نفسي عسى أن يكون لديه شيء جديد يمكن الالتفات إليه، أو قد يكون مرآة عاكسة تُريك ما قد لا تنتبه إليه، وما أن استقرّ به المجلس حتى قال بلهجة ليس فيها شيء من المُراعاة المُفترَضة: “أخي أنت ربطتَ قرْدك على طحين الإخوان المسلمين، حتى كأنّه ما من شرّ سياسيّ أو فكريّ، أو عمليّ إلاّ وهم أسبابه، طيّب، هذي إيران أليست دولة (مذهبيّة)، فلماذا لا تقول ولو كلمة فيها”؟!!.

ابتسمت بمرارة مكبوتة لهذا الفهم، وقلت له سألتَ، فاستمع إلى رأيي.

إيران كما أراها، وكما هي “دولة إسلاميّة” كما هو معروف عنها، وهي ليست دولة (مذهبيّة) بالمعنى الذي عنيْتَه، وثمّة فرق بين ما هو (مذهبيّ) وما هو (إسلامي)، فالمذهب طريق في الدين، اجتهاد في تفريعات الحياة، وربّما ضرب فيما هو ما بعد الحياة، وهذا شأن آخر، وفي الإسلام العديد من المذاهب كما هو معروف، ولكنّ إيران لم تُلزم أحداً باعتناق المذهب الذي هي عليه، ففيها السنّة، والشيعة، والزرادشت، والمسيحيون، وقلّة يهوديّة، وفيها العرب، والفرس، والباشتون، والكرد، والتّرْك، وأجناس أخرى، وكلّهم مُمثّلون في برلمانها، ويُنظَر إليهم من خلال (القانون) لا من خلال (المذهب)، أو (العرق).

إيران أعلنتْ موقفها منذ انطلاق ثورتها بأنّها مع الحقّ الفلسطيني، وما زالت على هذا الموقف، ومن استمع إلى بعض المقابلات التي أُجريت مع عدد من قادة المقاومة في فلسطين، وكلّهم ليسوا (شيعة) يُدرك حجم الدّعم الذي قدّمته لهذه المقاومة التي لم يتخلّ عنها العديد من “حكّام العرب” فحسب، بل أقاموا علاقات خطيرة مع الكيان الصهيوني، فأيّهم أقرب إلى المنطق الوطني، الإنساني؟!!.. وهي التي دعمت اليمن في مواجهتها للغزو الوهّابي، الأمريكي، الصهيوني. وها هي بيوت الفلسطينيين تُهدَم في كلّ يوم، و(قادة) عرب صامتون صمت الأصنام، حتى لكأن ما يجري يتمّ في كوكب آخر، لا على أهلنا، وفي ديارنا!!.

إيران لم تقصر دائرة اهتمامها وفعالياتها على إيران وحدها، بل اعتبرت أنّ الدفاع ضدّ (الاستكبار) /الاحتلال/ الاستعمار، حيث وُجِد.. اعتبرتْه تكليفاً ربّانيّاً إنسانيّاً في الدفاع عن الضعفاء مسلوبي الحقّ، وتلك رؤية كونيّة تقدميّة، تحرريّة، كان من بعض نتائجها أنّها مدّت يد العون لفينزويلا، فهل ثمّة قرابة مذهبيّة بين إيران وأهل فنزويلا؟!!.

إيران حين ألغى حكّام العرب عضويّة سوريّة في الجامعة العربيّة، ووقفوا يمدّون الدواعش والنّواهش بالمال، ويحيكون المؤامرة بالاتّفاق مع قادة الصهاينة.. وقفت إلى جانبنا، وأعتقد أنّ ذاكرتنا لم تنسَ الجنرال سليماني.

إيران خلال أربعين سنة طوّرت نفسها في كل المجالات، الديموقراطيّة، والحياتيّة، لاسيّما الدفاعيّة منها، حتى أصبحت دولة إقليميّة يُحسب حسابها من قِبَل العدو قبل الصديق، فماذا فعل حكّام الدول (الشقيقة) المستقلّون!! منذ أكثر من سبعين عاماً، فلماذا نُدعى للإعجاب بالهامبورغر الأمريكي، والجبنة الهولنديّة، ونُعرض عما يجري من تطوّر في دولة إسلاميّة تقع على حدود مساحات واسعة من وطننا الكبير؟!!.

إيران شريكة في حلف صيني روسيّ، نتمنّى له أن يعد بالكثير من الخير في قادمات الأيام.

اسمع يا صديقي، أنا عروبيّ، وعلماني، وتقدّمي، وديموقراطيّ، ولن أسمح لـ(المذهبيّة) الضيّقة أن تُعمي بصيرتي وبصري، ولا أرى خروجاً ممّا نحن فيه إلاّ بانتهاج السّبُل العلمانيّة الديموقراطيّة، التعدديّة، التقدميّة، والتخلّص من حُكْم الأموات لنا.

aaalnaem@gmail.com