حلب في عيون الأدباء والكتّاب الغربيين
حلب- غالية خوجة
كيف رأى وكتب وأبصر الأدباء الغربيون مدينة حلب؟ ولماذا؟.. أجابتنا الأمسية التي أقامها فرع حلب لاتحاد الكتّاب العرب عن أسئلة كثيرة انطلقت من العنوان (حلب في عيون الأدباء والكتّاب الغرب)، بمشاركة كل من الأدباء عبد الله حجار، فيصل خرتش، محمد العبد الله.
في البداية، تحدث خرتش عن الأخوين راسل (إلكسندر وباتريك) الطبيبين، وكيف ساهما، ولاسيما “باتريك”، في محاربة الطاعون الذي أصاب حلب عام 1719، ثم توقف عند كتابهما (تاريخ حلب الطبيعي في القرن 18-ترجمة خالد الجبيري 233 صفحة)، موضحاً أنه كتاب توثيقي نصاً وصوراً اعتمد على السنة النبوية والقرآن الكريم، مليء بالإحصاء وكان راصداً حتى للطقس في حلب، وشكلَ رداً على الغربيين الذين لا يعرفون العربية ويظنون بالعرب والمسلمين ظنوناً، إضافة إلى حديث الكتاب عن السكان اجتماعياً بمختلف فئاتهم ويومياتهم الحياتية، منها أنهم يبدون جميلين أثناء طفولتهم، وعندما يكبرون تذبل ملامحهم، بينما نالت مكانية حلب كأهم نموذج لمدن الشرق الأوسط أهميتها من خلال قلعتها الفريدة في العالم وأزقتها وأبوابها وبساتينها ومزروعاتها، ولاسيما أن الأخوين أقاما في حلب أكثر من 30 عاماً.
بينما توقف الباحث عبد الله حجار عند كتاب مذكرات آجاثا كريستي بين سورية والعراق (تعال قل لي كيف تعيش)، متطرقاً إلى حياة كريستي وكيف أمضت حياتها مع زوجها الثاني “ماكس مالوان” بين الترحال والكتابة كونه كان عالمَ آثار، وكيف عاشت غرابة الحياة معه، سواء في بلدة نمرود قرب الموصل أو في سورية عام 1930، وكتبت مسرحيتها “مصيدة الفأر” التي ما زالت تمثل منذ 1925 حتى الآن، وقدمتْ أكثر من 24600 مرة في لندن، ثم دخلت موسوعة “غينيس” ولاسيما أنها الأكثر مبيعاً لنسخ من كتبها، كما أنها منحت لقب الكومندور في بريطانيا، وبلغت 85 عاماً لكنها أصيبت بمرض الشيخوخة.
وأوضح حجار أن بين كريستي وحلب بصمة، كونها أقامت في هذه المدينة، ومنها فندق بارون، وتحديداً الغرفة رقم 203، واستوحت من حلب روايتها (جريمة في قطار الشرق). وتابع: تذكر كريستي مشاركتها لأعضاء جمعية العاديات في رحلتها إلى قلعة سمعان 1937، ولعلها أشارت إلى كلّ من شكيب الجابري وجبرائيل رباط دون أن تذكرهما بوضوح، وهذا ما استنتجته من نصوصها وأعتبره كشفاً كما اعتُبر بيت المتنبي كشفاً للباحث محمد قجة.
أمّا المترجم محمد العبد الله رئيس الهيئة الإدارية لفرع حلب لاتحاد الكتّاب العرب، فتحدث عن حلب من خلال وليم شكسبير، ومسرحيته (عطيل) التي يكون فيها البطل عطيل ضابطاً مغربياً أسود، عاش في بداية الدولة العثمانية وتنقّل بين قبرص والبندقية وحلب، وعانى حياة صعبة ومثيرة وبيع كعبد، ورغم شجاعته الشديدة كان ضعفه المرأة وامتلاكه لها وغيرته عليها، وهذا ما حدث مع ديدمونة، لكنه تعرّض لمؤامرة كبرى من إيميليا وزوجها، دفعت به إلى قتل ديدمونة، مما سهّل على الطامعين تحقيق أهدافهم، وخصوصاً كاسيو الذي يخلف عطيلاً في قيادة الجيش.
ولفتَ العبد الله إلى أن “عطيل شكسبير” نص مسرحي يوضح علاقة التجارة بين حلب والبندقية، بينما عطيل فذكر حلب في أجمل الحوارات، في كلماته الأخيرة قبل موته في الفصل الخامس-المشهد الثاني السطر 342: “هكذا أرغب أن تصفوني، وأضيفوا إلى ما تقدّم أنني عندما كنت في حلب وأهان أحد الأعداء رجلاً من البندقية وثبْتُ به وجعلت يده في عنقه وضربته هكذا”.
وتابع العبد الله متحدثاً عن مسرحية (ماكبث) التي يغوص فيها شكسبير في أعماق النفس البشرية، ولاسيما أنها مسرحية تصوّر الشر بصورة مفزعة، تتكامل أطرافها بين الطمع والسلطة والساحرات والقتْل والحرب التي انتهت بمصرع ماكبث جزاء شره وطمعه على يد مكدف الذي كان يتحرق للانتقام من ماكبث قاتل زوجته وأولاده الصغار، واسترجاع مالكوم لعرش أبيه واعتلائه المُلك.
وأكد العبد الله أن شكسبير لم يختر حلب بالمصادفة، بل لأنها كانت المدينة الثالثة في أهميتها بعد اسطنبول والقاهرة في عصر الدولة العثمانية التي عاصر شكسبير بدايتها، وقد كانت حلب نهاية طريق الحرير، ويأتي ذكر حلب مع حوار الساحرة الأولى: “قابلت زوجة بحّار في حجْر ثوبها كستناء، وهي تقضم وتقضم، قلت لها: أعطني، فصرخت المرأة السمينة: اغربي عن وجهي أيتها الساحرة! وقد أبحر زوجها على ظهر سفينة النمر قاصداً حلب”.
وفي نهاية الأمسية تداخل الحاضرون متسائلين عن المكانية في كتابات كتّاب آخرين مثل لامارتين، وإدوارد سعيد، وحنا مينه، وإبراهيم الكوني، وغيرهم، ولماذا لم يجدوا حلب فيما قُدّم إلاّ من خلال ذكْرٍ أو عبور أو مرور؟.