“أسواق بيع المستعمل” ليست وجهة للفقراء فقط.. بل لشركات الإنتاج الفني نصيبها
دمشق – البعث
ثمّة أمران لفتا انتباهنا لدى سبر “البعث” ماهية أسواق بيع الأدوات المستعملة من مفروشات وأدوات كهربائية وما إلى ذلك من مستلزمات منزلية، الأول أن هذه الأسواق لا تقتصر على كونها وجهة للأسر الفقيرة التي ترى في هذه الأسواق متنفّساً لها في ظل تدني القوة الشرائية نتيجة ارتفاع معدّلات التضخم، بل تشاطرها شركات الإنتاج التلفزيوني هذا الميل، إذ أكد أحد باعة هذه الأسواق لـ”البعث” أن هذه الشركات تلجأ إلى أسواق بيع المستعمل لاستئجار ما يلزمها من مفروشات وأدوات قديمة تسخّرها في خدمة الأعمال الدرامية التي تجسّد مرحلة زمنية معينة تحتاج إلى أدوات غير متوفرة إلا في هذه الأسواق.
وفي خضمّ سبر حقيقة أغوار هذه الأسواق ومصادر بضاعتها، تبدّى لنا الأمر الثاني، المتمثل بمتاخمة القديم من الأدوات المستعملة لنظيره الجديد، ليتبيّن أن هذه الأسواق متنفس لموظفي القطاع العام ولكن ليس من زاوية انخفاض أسعار ما تعجّ به من معروضات هنا وهناك، وإنما من زاوية أخرى لها علاقة بالحصول على السيولة، إذ أكد صاحب أحد المحلات في سوق المستعمل (سوق الهال القديم) أن مصدر الأدوات المنزلية الجديدة التي لا تزال مغلفة وخاصة البرادات والغسالات منها، والموجودة في أسواقهم غير المخصصة لهذا النوع من البضائع، هو موظفو القطاع العام من المثبتين الذين يشترونها بالتقسيط من صالات العرض الضخمة ليبيعوها لتجار الأدوات المستعملة بسعر يقل عن سعر شرائهم لها بحدود 200 – 300 ألف ليرة سورية وأحياناً أقل من ذلك، طمعاً بالحصول على مبلغ كبير من المال نسبياً يسدّون به حاجات عيشهم الطارئة، وبدورهم أصحاب المحلات يبيعونها بسعر أقل من نظيراتها في صالات البيع (مصدر هذه البضاعة الجديدة)، وهذا يشكّل عنصر جذب لمحلاتهم المتواضعة المترامية في الأحياء الشعبية والنائية، وفي الوقت نفسه يستغلون إقبال المستهلكين على شراء الأدوات الجديدة ليعرضوا ما بحوزتهم من بضاعتهم القديمة.
وفيما يتعلق بالأدوات المستعملة بيّن أصحاب المحلات أنها من مصادر متعدّدة من محافظات القطر، فكثير من أرباب المنازل، وخاصة ذوي الدخل المرتفع، يجدّدون أثاثهم المنزلي بين الفينة والأخرى وخاصة المفروشات من غرف نوم وسفرة وصالون، فيشتريها أصحاب المحال بأسعار تناسب ذوي الدخل المحدود، مؤكدين أنهم يأخذون حيطتهم عند شراء أي قطعة من خلال أخذ معلومات وبيانات حول بائعيها تحسّباً من أن تكون مسروقة، ففي حال عُرض عليهم شراء أثاث من أي منزل –على سبيل المثال- يسألون عن صاحبه ليتأكدوا من هويته ويملؤون بيانات بطاقته الشخصية حتى لا يتعرضوا لأي مُساءلة قانونية لاحقاً، وفي حال اشتبهوا أن البضاعة مسروقة يبلغون على الفور الجهات المعنية لاتخاذ الإجراءات اللازمة، مشيرين إلى أن هذه المحلات مسجّلة في مديرية المهن والرخص في المحافظة ويدفعون ما يترتب عليهم من رسوم لها.
اللافت في هذه الأسواق المنسيّة أنها تتعامل بنظام (الكفالة) أسوة بغيرها من الأسواق المعروفة، حيث يكفل أصحاب المحلات بضائعهم الكهربائية المستعملة “بكلمة شرف” من أسبوع إلى شهر كحد أقصى، ويتعهّدون بإرجاعها في حال عدم صلاحيتها انطلاقاً من حرصهم على عدم خسارة زبائنهم المعروفين.
لا شك أن هذه الأسواق تشكّل مقصداً لشريحة لا بأس بها وتلبّي متطلباتهم المعيشية، لذلك فإنها تحتاج إلى تنظيم أكثر ومتابعة مستمرة ولاسيما من جهة مصدر بضاعتها، ولا بد ّ من إعطائها جرعة أكبر من الاهتمام من الجهات المعنية وخاصة الوحدات الإدارية التابعة لها حتى يتم تبديد مخاوف الراغبين بالتسوّق منها.