لا مصداقية للاستخبارات الأمريكية
عناية ناصر
يمكن القول إن وكالات الاستخبارات تخدم السياسة، لكن خدمات التجسّس يقودها سياسيون صادق على تعيينهم مجلس الشيوخ الأمريكي ويتمّ تشغيل هذه الوكالات بما يتماشى وحاجة صانعي السياسة في واشنطن، أما الادّعاءات باستقلالية العاملين في هذه الوكالات وعدم تقييدهم بالتوجّهات السياسيّة ما هي إلا مجرد خداع للذات.
يكشف التاريخ أن الأذرع الاستخباراتية غالباً ما كانت تعمل كخادم في مسعى الولايات المتحدة للحفاظ على الهيمنة من خلال تزوير المعلومات، وحتى تلفيق الأدلة ضد الآخرين، بهدف تعزيز السرديات السياسية التي تحركها واشنطن.
لقد وقع العديد من البلدان ضحايا لمثل هذه الحيل القذرة، فعلى سبيل المثال، استشهد كبار المسؤولين الأمريكيين بما وصفوه بـ”حقائق واستنتاجات تستند إلى معلومات استخبارية قوية” بأن العراق صنع أسلحة دمار شامل قبل دخول الكويت في عام 2003، مما أدى إلى مئات آلاف القتلى ونزوح ملايين آخرين، ومع ذلك، لم يتمّ العثور على مثل هذه الأسلحة على الإطلاق. بعد سنوات، اعترف بعض المتورّطين في قرار الولايات المتحدة بخطأ شنّ حرب العراق، لكنهم سعوا إلى إلقاء اللوم على المعلومات الاستخبارية المفبركة، بينما أشار النقاد إلى أن البيت الأبيض أراد الحرب بشدة لدرجة أن أجهزة الاستخبارات كانت تحت ضغط سياسي لتبرير العمل العسكري.
وبذلك لا توجد حدود لا يمكن لأجهزة المخابرات الأمريكية تجاوزها، فمن المعروف أنه قبل وأثناء “الحرب على الإرهاب”، استخدم أفراد وكالة المخابرات المركزية ما يُسمّى بـ”تقنيات الاستجواب المعززة” على معتقلي السجون في الخارج، بما في ذلك الإيهام بالغرق، ووضعيات الإجهاد، والحرمان من النوم، والإذلال الجنسي، والحبس في أقفاص.
تعرّضت تصرفات وكالة المخابرات المركزية، التي تمّ تفصيلها في تقرير كتبته لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ الأمريكي ونُشر في عام 2014، لانتقادات من قبل هيئات الرقابة المحلية باعتبارها “وصمة عار” في تاريخ البلاد، بينما فضحت معايير واشنطن المزدوجة بشأن حقوق الإنسان بطريقة محرجة، بالإضافة إلى ذلك، حاولت وكالة المخابرات المركزية اغتيال قادة دول أخرى وساعدت في مؤامرات اغتيال لسنوات عديدة منذ إنشائها في عام 1947، وفقاً لوثائق رفعت عنها السرية، فخلال الحرب الباردة، جنّدت وكالة التجسّس سراً صحفيين أمريكيين لنشر الدعاية والتلاعب بالرأي العام من خلال مطالبتهم بكتابة قصص بناء على معلومات مزيفة. وعلى مدى العقود الماضية، اتُهم أفراد أو مجموعات مرتبطة بالمخابرات الأمريكية بالوقوف وراء الاضطرابات السياسية والاجتماعية في بعض البلدان والمناطق.
وعليه باتت وكالات الاستخبارات الأمريكية غير جديرة بالثقة، فقد ورد أن الولايات المتحدة أجرت المراقبة في الداخل والخارج بمساعدة مجمع استخباراتها، وظهرت انقسامات جديدة بين الولايات المتحدة وحلفائها على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي أواخر أيار من هذا العام بعد أن وجد تحقيق إعلامي أوروبي مشترك، غطى الفترة من 2012 إلى 2014، أن وكالة الأمن القومي (NSA) ، وهي وكالة مخابرات الجيش الأمريكي، قد تعاونت مع المخابرات الدانماركية للتجسّس على كبار المسؤولين من ألمانيا والسويد والنرويج وفرنسا!.
وبعد هذه الفضيحة، وعد البيت الأبيض بعدم التنصّت على قادة حلفاء واشنطن بعد أن سرّب إدوارد سنودن، الموظف السابق في وكالة الأمن القومي، وثائق سرية للغاية من الوكالة العسكرية، والتي كشفت عن كيفية تجسّسها على المواطنين الأمريكيين وزعماء الدول الأوروبية. ومع ذلك، تهرّبت الحكومة الأمريكية من الأسئلة في مواجهة فضيحة التنصّت على المكالمات الهاتفية الجديدة والانتقادات اللاذعة من حلفائها، في حين رفض جهاز المخابرات التعليق. أما الأمر المثير للاستغراب فهو أن بعض وسائل الإعلام والخبراء الأمريكيين ما زالوا يحاولون الدفاع عن أخطاء واشنطن، زاعمين أن “التجسّس على الحلفاء أمر طبيعي”، وأن “الجميع يفعلون ذلك”.
يُشار إلى أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية تواجه أيضاً أزمة ثقة داخلية بعد انسحاب فوضوي للقوات الأمريكية من أفغانستان مؤخراً، والذي وصف بأنه فشل استخباراتي كبير، مما زاد من مشكلات أجهزة التجسّس.