الوباء يوسع الانقسام السياسي الأمريكي
عناية ناصر
لم تقلب جائحة الفيروس التاجي السياسة الأمريكية رأساً على عقب فحسب، بل أحدثت أيضاً انقساماً سياسياً من شأنه تغيير أنماط الحياة في البلاد، وقد يؤدي عدم فهم هذه الظاهرة الجديدة إلى الوقوع في مشاكل، خاصة لدى الدول الأجنبية أو القادة الأجانب الذين يسعون للحصول على دعم الولايات المتحدة.
ولا يتفق الجميع في الولايات المتحدة على أن كوفيد -19 مرض مميت، وهم يعتقدون أن الفيروس غير قاتل للجميع، إنهم يعتقدون أن الفيروس قاتل فقط لأولئك الذين لديهم مجموعة من الأمراض المتعلقة بالصحة، مثل السرطان أو أمراض القلب أو الربو، كما يعتقدون أيضاً أن خطر الوباء موجه بشكل أساسي إلى كبار السن الذين تزيد أعمارهم عن 50 عاماً لأن خطورة معظم الأمراض تميل إلى التزايد مع تقدم العمر.
في صميم هذا الجدل المتزايد، هناك جدل حول ما إذا كان للحكومة الحق في فرض قيود تتضمن تلقيح الأشخاص أو ارتداء أقنعة الوجه أو الحد من تفاعلاتهم الاجتماعية. يعتقد البعض أن هذه الاحتياطات هي أكثر من مجرد مبادرات للحد من المشكلات الصحية الخطيرة، ولكنها تكشف جهود حكومية لتقييد الحريات التي يكفلها الدستور لجميع مواطني البلاد البالغ عددهم 328 مليون مواطن. ومع ذلك، كان الفيروس قاتلاً، و يبدو أن لا أحد يناقش ذلك. توفي ما يقرب من 630 ألف أمريكي نتيجة الفيروس، الذي يزعم بعض الأمريكيين أنه نشأ في مختبر حكومي صيني في ووهان في كانون الأول 2019. وأصيب أكثر من 37 مليون أمريكي.
لقد شكل الوباء مشكلة لدى الحزبين السياسيين الرئيسيين، حيث يعتقد الجمهوريون الأكثر “محافظة” أنه يجب مكافأة الأفراد على أساس مقدار عملهم، وأنه لا ينبغي لأحد أن يفرض قيوداً على ما يمكن قوله أو كيف يعيشون حياتهم. يجب أن يعمل الناس من أجل لقمة العيش وألا يتم إخبارهم بمن يحبون أو يكرهون.
بينما يعتقد الديمقراطيون، الأكثر “ليبرالية”، أن الحكومة يجب أن توفر الرعاية المالية ودعم الرعاية الصحية للفقراء، وأن التكاليف المالية يجب أن يغطيها الأغنياء والأثرياء، كما يعتقدون أن الحكومة يجب أن توفر الرعاية الصحية للمحتاجين وكبار السن وخاصة للفقراء.
ليس من المستغرب أن تعكس التركيبة السكانية لكلا الحزبين هذه المعايير المعممة، إذ يعتقد الجمهوريون أن تهديد الفيروس يتم تضخيمه وأن الديمقراطيين يستخدمونه للسيطرة على النظام السياسي للبلاد، مما يمنح الحزب مزيداً من السلطات والسيطرة. بينما يعتقد الديمقراطيون أن الجمهوريين يستخدمون الوباء للضغط على الناخبين الديمقراطيين والتأثير على قدرتهم في التصويت والمشاركة في النشاط السياسي، وبالتالي تقليل أعداد الناخبين.
إن ااستغلال الطرفين للأزمة أو الجدل السياسي الخلافي بعيد كل البعد عن كونه ظاهرة جديدة، فقد حدث هذا في الولايات المتحدة منذ عقود، بل حتى قرون. في القرن الثامن عشر، تم استخدام العبودية للتمييز بين الناس على أساس العرق، و تم استخدام القيود للفصل بين المواطنين على أساس الجنس أيضاً. واليوم، هناك قضيتان تقسمان الأمريكيين بقدر انتشار فيروس كورونا، وهما الإجهاض، الذي يتبناه الديمقراطيون ويعارضه الجمهوريون، والحد من التسلح، التي يتبناها الديمقراطيون ويعارضها الجمهوريون.
يبدو الجدل المستقطب حول الوباء بين الطرفين وكأنه لغز، فساحات المعارك السياسية واضحة، هل يجب إجبار الأطفال على ارتداء الكمامات في المدرسة؟. هل يجب إجبار الجميع على التلقيح؟. هل كوفيد-19 يمثل تهديداً صحياً حقيقياً أم أنه يتم تضخيمه من قبل السياسيين؟. يتم استخدام هذه الأسئلة بشكل متناقض بين الديمقراطيين والجمهوريين لتقويض الحقوق الفردية، ودفع الخصوم السياسيين إلى الصمت والاستسلام .والأسوأ من ذلك ، يتم التعامل مع البيانات مثل جميع الجداول الإحصائية، ويتم التلاعب بها لتعكس وجهة نظر شخصية أو موقفاً بدلاً من كونها دليلاً على الواقع . ويمكن العثور على أكبر قدر من البيانات للدفاع عن الحجة القائلة بأن كوفيد-19 يمثل تهديداً فقط لأولئك الذين لديهم مشاكل صحية بالقدر نفسه الذي تستخدم للادعاء بأن عدم الحصول على اللقاح أو ارتداء قناع الوجه يشكل تهديداً وطنياً.
لقد جعل هذا الاستقطاب من المستحيل تقريباً هزيمة الفيروس لأن نصف الشعب يعيش في ظل قيود إلزامية ولقاحات لا يبدو أنها تحمي الجميع تماماً، بينما يعيش النصف الآخر كما لو أن التهديد هو مجرد مسألة اختيار فردي. يعتقد نصف الأمريكيين أن أقصى اليسار يستخدم فيروس كورونا كوسيلة لإعادة توجيه الموارد الحكومية من الخدمات إلى القضايا الليبرالية، بينما يعتقد النصف الآخر أن الوباء خطير للغاية لدرجة أن الحكومة يجب أن تتبنى برامج رعاية سخية للسماح لمئات الملايين من الأشخاص للبقاء في المنزل بدلاً من الذهاب إلى العمل
وفي الوقت نفسه، كان مصنعو اللقاحات الرئيسية الثلاثة لـ كوفيد-19 بعيدين عن الأنظار، ويتمتعون بأرباح فلكية . فقد أعلنت شركة “فايزر” في وقت سابق أن لقاحها قد حقق أرباحاً تزيد عن 3.5 مليار دولار خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021 وحده. ومن المتوقع أن تحقق شركتا الأدوية الأخريان اللتان طورتا اللقاحات “موديرنا وجونسون آند جونسون” مكاسب مالية مماثلة أيضاً .كما أثار حجم الأرباح شكوك الجمهور بأن الوباء يتم استغلاله من قبل عمالقة صناعة الأدوية، وعزز نظريات المؤامرة والمخاوف بشأن ما إذا كانت اللقاحات ستكون لها عواقب طويلة الأجل وغير معروفة. في النهاية، يعرقل الجدل السياسي حملة القضاء على الفيروس، ويعزز الانقسام في أمريكا.