حرب باردة باسم “المنافس الاستراتيجي”
تقرير إخباري
من المهم جداً متابعة طبيعة وبنية العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية روسيا الاتحادية في هذه الفترة، وخاصة بعد القمة التي عقدت في جنيف بين فلاديمير بوتين، وجو بايدن. فقد أجمع المراقبون على أن القمة كانت نقلة نوعية من حالة القلق والاضطراب في العلاقة بين البلدين إلى مرحلة يأمل الجميع أن يسودها الطمأنينة والهدوء والتعاون والمنفعة المتبادلة.
إن مصطلح المنفعة المتبادلة كانت بديلاً للخلاف الأيديولوجي والاستراتيجي الذي كان المحرك الرئيسي للصراع بين الولايات المتحدة وروسيا في سنوات الحرب الباردة، وهو تعبير عن رؤية قديمة كان إدوارد شيفرنادزه، آخر وزير خارجية للاتحاد السوفييتي قد صاغ عباراتها وجملها إثر انتهاء الحرب الباردة عام 1989، بقوله “إن المنفعة العامة للدولتين حلّت محل الأيديولوجية بشكلٍ عام كمحرك لتوجهات السياسة الدولية الخارجية”.
واليوم على الرغم من كل الخلافات، إلا أن البلدين لا يريدان أي مواجهة عسكرية، فمن جهة روسيا ما زالت منشغلة بإعادة بناء مؤسساتها وإداراتها في الداخل اقتصادياً وعسكرياً واجتماعياً، وإقامة بنية أساسية قوية تنطلق منها إلى علاقات متنوعة ومتعددة في مناطق العالم المختلفة. صحيح أن الأيديولوجية لم تعد مصدر التأثير في السياسة الخارجية لكلا البلدين، لكن الظروف العامة التي استجدت على العلاقة بين البلدين أعادتهما إلى القلق والتوتر، وهو ما استغلته للولايات المتحدة لمحاولة لتحقيق أقصى منفعة لها وتحقيق مصالحها الدولية من خلال مد نفوذها وسيطرتها إلى الدول المحيطة بجمهورية روسيا. ونتيجة لهذه التحولات المفصلية وتلك التطورات، أطلقت الولايات المتحدة تعبير “المنافس الاستراتيجي” على روسيا، مبتعدة عن استخدام تعبير “العدو”، وهذا مرده إلى تغيير خريطة الحرب الباردة.
من جهتها كانت تعتبر الولايات المتحدة صراعها مع الاتحاد السوفييتي السابق وحلف وارسو مكلف مادياً ومعنوياً هذا بخلاف العبء النفسي لصراع يهدد فيه كل منهما البلد الآخر. وحين انتهت الحرب الباردة، اعتبرها المواطن الأمريكي اللحظة الهامة والحاسمة لقطف ثمار السلام ، لكن ذلك لم يحدث، وأصاب الشعب الشعور بخيبة أمل وبالفشل، لأن مشكلاته وأزماته الاقتصادية والاجتماعية زادت، واتسعت الهوة في الداخل بين الأكثر ثراء والأقل دخلاً، وغير ذلك ومنها علاج مشكلة البطالة وتوفير الوظائف الضرورية للمواطنين.
اليوم يشير الوضع الحالي بين الولايات المتحدة وروسيا إلى أن التوتر سيستمر بين البلدين، فمن جهة مازال جو بايدن مستمر في إنجاز شعاره الذي رفعه في مؤتمر القمة العالمية في جنيف من أجل قيادة الولايات المتحدة الأمريكية للعالم، بينما يعمل الرئيس الروسي دون كلل لتعظيم دور روسيا عالمياً، من جهة ثانية.
ريا خوري