ميزانية الأسرة بين ثقافة الاستهلاك وغلاء المعيشة.. ربات البيوت يشدّن الحزام حتى الخناق
نتيجة الأوضاع المعيشية للمواطن في هذه الظروف, راحت الكثير من الأسر تغير عادتها في التسوق والشراء عبر اختصار الكثير من المستلزمات الأساسية بعد أن حذف الكماليات من أولوياته منذ وقت, وهذا التغيير حسب خبراء اقتصاديين انتقل ليشمل شريحة كبيرة من المجتمع بسبب الغلاء الفاحش بمستلزمات الأسرة السورية, معتبرين أن هذا التغيير الطارئ جاء قسرياً كما وصفوه, فالكثير من العائلات بدأت تقتصر على شراء الحاجيات الضرورية فقط والمضطرين عليها, وحتى المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة امتنعوا عن شراء بعض الأدوية، مما أثر على صحتهم, نتيجة ارتفاع أسعار الأدوية والبعض اختصر شراء الخضروات لمدة أسبوع, وامتنع عن شراء الفواكه وتبديل الجوال, وأشياء تعود أن يبدلها أو يجددها, وهذه الأشياء لم تعد ضرورة للأسرة، فالضروري يتعلق بشراء مادة الخبز وقوة اليوم من الغذاء, ومن وجهة نظر الخبراء أن هذا التغيير جاء نتيجة للظروف المادية القاسية للمواطن, ما جعل بعض فئات المجتمع تعتمد سياسة المقاطعة للأسواق والعزوف عن شراء الألبسة والأحذية, وشراء الفواكه أو الخضار بالحبة للضرورة القصوى وبتكاليف معقولة.
عادة جديدة
وفي الإجابة على السؤال هل تأقلم المواطن السوري مع هذه الأوضاع، التقت “البعث” بعض المواطنين منهم طالب جامعة الذي قال إن مصروفه في الجامعة لا يكفيه طول الشهر, واضطر لإلغاء بعض الحاجيات الخاصة بالجامعة وحتى وجبة الطعام اليومية, نتيجة ارتفاع أسعار الكتب والنوطات والقرطاسية والأطعمة وغيرها, وأصبح يشتري ما يلبي احتياجاته في الجامعة, وحسب الآراء الاقتصادية فإن تغيير العادة الاقتصادية لطالب الجامعة يؤثر سلباً على دراسته الجامعية.
مواطنة قالت: غيرنا عادتنا الشرائية نتيجة ارتفاع الأسعار وأجبرنا على إلغاء الكماليات ولم نعد نشتريها أبداً، وهذا ينطبق على كل فرد من الطبقة الفقيرة وذوي الدخل المحدود, فالذهاب إلى مطعم أو رحلة على البحر مثلاً أصبح من المنسيات, ونوفر المبالغ للغذاء قدر الإمكان وينقصنا أشياء كثيرة في المنزل لا نستطيع شرائها لذلك قاطعنا أسواق الألبسة والحاجيات الفردية وأجبرنا على الحفاظ على الحذاء والبنطال وإصلاحه عند الخياط, وتقول إن أزمة الغلاء غيرت الكثير من العادات لدى الأسرة.
تقول ربة أسرة: مطلوب منا التأقلم بهذا الوضع نحن الكبار نستطيع التحمل أما الطفل لا يمكن أن يحرم من أبسط الأشياء وهذا ظلم, ولم نستطيع فالطفل لا يعرف التوازن ما بين تأمين حاجته والدخل والمصروف ومستوى الأسعار, وأنا كأم يجب أن أعمل على تأمين حاجة أولادي.
محامي قال: اعتد أن أمرّ إلى السوق يومياً واشتري الفواكه والأكلات الطيبة لأطفالي الصغار وبعض الحاجيات للمنزل, ونتيجة الأوضاع الحالية اختصرت من شراء الأشياء المذكورة ولم استطيع إلغاء الأكلات الطيبة للأطفال ورغم ذلك البسكويت والشوكولا والملبس ارتفع سعره، فكيف لعائلة فقيرة لديها خمسة أطفال أن تشتري بسكوتة أصبح سعرها 400 ليرة ولا تكاد تشبع الطفل.
سيدة تعمل بالقطاع الخاص لدى منشأة سياحية تتقاضى راتب 200 ألف بالشهر قالت: من الصعب تلبية حاجات منزلي وألغيت بعض الكماليات من ميزانيتي مثل الموالح والحلويات وبعض الألبسة, وتغيير العادة الاستهلاكية حتى للعاملين بالقطاع الخاص أصبح ضرورة ليكفي الراتب طيلة أيام الشهر.
موظفة مصرف: اختصرت شراء اللحمة التي كنت اشتريها كل شهر قبل غلائها واختصرت الفواكه والحلويات واشتري طبخة ليومين لتخفيف المصروف.
رأي اقتصادي
أستاذ في قسم الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور علي كنعان قال: إن الأوضاع المالية الضيقة التي يمر بها الناس وخاصة الشباب والشابات وحتى الأطفال جعلتهم يغيروا مزاجهم الاستهلاكي الحياتي المعيشي ومجبرين على هذا الأمر مكرهين, ولاشك أن هؤلاء الشباب الذين يفقدون دخلهم ويغيرون عادتهم الاقتصادية وخاصة في الأزمات، هم أكثر تأثراً بها، فالعزوف عن شراء ما يحتاجونه مشكلة كبيرة بالنسبة له, وأشار كنعان إلى أن غلاء المعيشة أدى إلى التغيير في عادات الناس الاقتصادية الشرائية ومن وجهة نظر الدكتور كنعان فإن المواطن اصطدم بارتفاعات الأسعار في كافة المواد وخاصة مستلزماته الشخصية وهذا ما جعله يغير عاداته الاستهلاكية وجاء هذا في ضوء الظروف الحالية والتضخم وارتفاع الأسعار الفاحش في جميع السلع والخدمات ومتطلبات الإكساء والنقل والاستئجار وغيرها، ويرى أن على كل أسرة أن تضبط ميزانيتها بالورقة والقلم كيلا تلجأ لقضايا بغنى عنها، ويتوجب على ربات البيوت تعلم كيفية تقسيم الميزانية في حدود الاحتياجات، مع التأكيد على أن وضع ميزانية للإنفاق في الأسرة ضروري، لأنها تساعد على معرفة الفائض من الواردات أو العجز، كما أنها تساعد على سد العجز إن وجد والاستفادة من الفائض المتوافر، بالإضافة إلى التحكم في الإنفاق، بالمقابل لا نستطيع أن نتجاهل أن ارتفاع تكاليف الحياة تدفع العديد من الأسر إلى الاستدانة.
رأي اجتماعي
أستاذة في علم الاجتماع بجامعة دمشق الدكتورة هناء برقاوي ترى أن بعض الشباب السوري خلال الأزمة أثبت قدرته على تحمل المسؤولية دون أن ينسلخ عن أسرته. وأضافت برقاوي أن الشباب قادر على اتخاذ القرار والتأقلم مع الظروف الحالية حتى على مستوى احتياجاته الشخصية والضرورية منها، فنرى العديد من الشباب قد تخلوا عن الكماليات نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة، ونبهت إلى أن الأزمة قد أفرزت نوعين من الشباب، الأول منهما هو الأكثر فاعلية في المجتمع، والآخر الاتكالي الذي لا يتحمل المسؤولية، والذي لم يخرج من الفطام الاجتماعي. وتنصح برقاوي بالتوعية وضرورة أن يتحمل الشباب المسؤولية ضمن منهاج ونظام التنشئة الاجتماعية التي تتبلور في المدرسة ومن ثم الجامعة، لكن يبقى مهدها الأسرة.
رأي تمويني
معاون وزير التجارة جمال شعيب أوضح: نحن كوزارة تجارة مختصة نعمل على مراقبة الأسعار وضبط الأسواق والتجار ومحاسبتهم على غلاء الأسعار من خلال تداول الفواتير بين حلقات الوساطة التجارية وتفعيل عمل مديرية حماية المستهلك ونشر الوعي الاستهلاكي وتفعيل جمعية حماية ودورنا أساسي في ضبط عملية التسعير وحصر عملية التسعير مع مشاركة الجهات والوزارات والقطاعات المعنية وتعزيز الإنتاج المحلي وتحقيق الاكتفاء الذاتي, إضافة لتطوير الأنظمة الاقتصادية والتجارية لتواكب حجم الطلب المتزايد ودعم الحكومة للسلع ولاسيما السلع الأساسية وتخفيف الجمارك بالنسبة للمواد الغذائية.
وأكد شعيب على دور القطاع العام والسورية للتجارة وكافة جهات القطاع العام الأخرى لتأمين وطرح تشكيلة واسعة تلبي حاجة المواطنين والقيام بدورها كجهات تدخل إيجابي، لتكون هذه المؤسسات نقاط ارتكاز لتثبيت الأسعار ما أمكن والمساهمة بتحقيق التوازن بالسوق وتحقيق المعادلة والتوازن بين ارتفاع الأسعار ومستويات الدخول. وضرورةزيادة الإعانات والمساعدات للفقراء سواء نقدياً وعينياً للمساعدة على مواجهة غلاء الأسعار.
عبد الرحمن جاويش