القطاع العام.. وجدوى التحديث!!
سبق لوزراء الصناعة السابقين أن اجتمعوا فور مباشرتهم لمهامهم مع إدارات المؤسسات العامة الصناعية المعنية بإنتاج السلع المطلوبة من المواطنين، خاصة ما يتعلق منها بالسكر والمواد الغذائية، وقد تكررت هذه الاجتماعات كثيراً دون أن نلمس نتائج لترجمة ما يطلبه وزراء الصناعة من مديري مؤسساتهم، كتأمين احتياجات السوق المحلية من السلع والمواد الغذائية بأسعار أقل من مثيلاتها المنتجة في القطاع الخاص، وعندما تغيب معظم منتجات القطاع العام عن صالات “السورية للتجارة” فهذا مؤشر على إخفاق جميع وزراء الصناعة بترجمة أقوالهم إلى أفعال!
مثلاً، لقد ذهب الحماس بوزير الصناعة السابق إلى حد توجيه المؤسسة العامة للصناعات الغذائية بتأمين المواد الأولية والمنتجات لمدة ثلاثة أشهر على الأقل من خلال العمل بثلاث وارديات يومياً لكل من شركات الكونسروة والألبان بدمشق وحمص، فماذا كانت الحصيلة؟ جولة على صالات “السورية للتجارة” تؤكد أن 99% من سلعها لا تزال قادمة من القطاع الخاص لا العام، وهذا يعني أن هناك هوة سحيقة بين أقوال وطلبات الوزراء والإمكانيات المتاحة التي تتيح لإدارات المؤسسات الصناعية ترجمتها إلى أفعال، أي منتجات تعلو رفوف صالات “السورية للتجارة” جنباً إلى جنب مع منتجات القطاع الخاص!
ونجزم أنه ما من وزير صناعة سابق إلا واكتشف خلال أقل من عام جدوى وفعالية تحديث، بل وضرورة “نفض” الكثير من الشركات كي تتمكن من تزويد احتياجات السوق مع مخزون لا يقل عن ثلاثة أشهر على الأقل!
وبما أن بعض وزراء الصناعة السابقين اهتموا برفع الطاقات الإنتاجية لتأمين أكبر قدر ممكن من المنتجات، فإنهم اكتشفوا أيضاً أن هذا “الرفع” لا يمكن أن يتحقق بخطوط قديمة وبالية ومهترئة تتعطل مراراً خلال تشغيلها، وبالتالي نسأل: كم وزير صناعة قدم للحكومة مشاريع تطوير وتحديث لشركات القطاع العام المتخصصة بمنتجات أساسية لا غنى عنها للمواطنين في موائدهم اليومية؟
قد يكون بعض الوزراء فعلوها، وقد يكون وزراء المالية كعادتهم دائماً رفضوا تمويلها، ولكن كم “وزير” تابع مشاريع التطوير وكانت لديه القدرة على إقناع أية حكومة سابقة بأن ترجمة السياسات المعلنة بتحسين الأحوال المعيشية للمواطنين لن تُترجم إلا بتنفيذ خطط التحديث لشركات القطاع العام؟!
وبما أنه ما من حكومة إلا وأكدت أنها ستعمل على توفير السلع بأسعار منافسة، فإن أي عاقل سيسأل: كيف يمكن توفير سلع بأسعار منافسة إن لم تكن كلفها قليلة؟ وكي تنتج شركات القطاع العام منتجات رخيصة، أي بكلف قليلة، يجب أن تُجدد خطوطها الإنتاجية كلياً كي تتمكن من العمل على مدار الساعة لإغراق السوق باحتياجات الناس، وعندها سيضطر القطاع الخاص لتخفيض أرباحه كي تقترب أسعار منتجاته من مثيلاتها المنتجة في القطاع العام!.
أكثر من ذلك، لا ترجمة لمطالب وزراء الصناعة بأهمية التعليب والتغليف، والجودة والمواصفات، وتأمين احتياجات المواطنين دون تنفيذ مشاريع التطوير والتحديث لشركات القطاع العام، ومن يتابع التقارير التي تتحدث عن أرباح المؤسسات الصناعية العامة، وهي بعشرات المليارات، سيتساءل حتماً: أين تذهب هذه المليارات؟
قلة تعرف أنها تذهب لخزينة الدولة، وليس بمقدور أي وزير للصناعة أن يقتطع منها أي مليار لمشاريع التطوير والتحديث باستثناء الاعتمادات المرصودة له في الموازنة العامة، ولعل هذا الوضع وراء إخفاق جميع مشاريع التحديث، لأن أحد أبرز بنودها كان الاستقلال المالي والإداري لمؤسسات القطاع العام الصناعي.
بالمختصر المفيد: لو كانت الحكومات السابقة على مدى الثلاثين عاماً الماضية جادة بجدوى تطوير وتحديث القطاع العام لسمحت لوزراء الصناعة باستثمار أرباح مؤسساتهم بما يتيح “نفض” شركة واحدة فقط كل عام، ولو فعلتها هذه الحكومات لكنا اليوم أمام قطاع عام قادر على تأمين منتجات لملايين السوريين بمواصفات وأسعار منافسة مع فائض كبير للتصدير!.
علي عبود