الكومنولث وأحلام بريطانيا
تقرير إخباري
منذ دخول بريطانيا مرحلة المفاوضات للخروج من الاتحاد الأوروبي، كان الحديث عن المنعكسات السلبية المحتملة لمثل هذه الخطوة، وخاصة من الناحية الاقتصادية، إلا أن لندن كان لها توجّهات أخرى ترسم لها من خلال الدفع برؤية “بريطانيا العالمية” في محاولة لإحياء أمجاد المملكة على المسرح العالمي عبر دول الكومنولث، تلك المنظمة التي تشكّلت من الدول التي كانت في السابق مستعمرات بريطانية، تجمعها وحدة الرمز باعتبار الملكة الرئيسة العليا لها، وتقدّم على أنها ذات طابع دولي، لها أهدافها التي تسعى لتحقيقها، وتربطها العوامل التاريخية واللغة المشتركة، وحتى الأوضاع القضائية، إذ يعتبر القانون العام الإنكليزي هو المصدر للمسائل القانونية لبلدان الكومنولث.
ومن هذا المنطلق، تعتبر لندن الكومنولث بوابتها الخلفية للخروج من تداعيات البريكست الاقتصادية، بفضل الميزة التي تمتلكها الرابطة، وتتيح لبريطانيا فرصة لعقد اتفاقات تجارة حرّة مع تلك الدول، رغم أنها ليست تحالفاً تجارياً رسمياً ولا تملك القدرة والثقل الدولي للاتحاد الأوروبي، إلا أنها تبقى الخيار الأفضل لتحقيق المكاسب للمملكة، حيث تمثل خمس التجارة العالمية.
هذا الطرح أكد عليه عدد من المسؤولين البريطانيين، أمثال رئيسة الوزراء تيريزا ماي، ووزير الخارجية بوريس جونسن، حيث وجدا أن مستقبل بريطانيا بعد الاتحاد الأوروبي يجب أن يتمثّل بتعميق التجارة مع الكومنولث، داعمين أقوالهم بأن ارتفاع معدلات النمو ضمن المنظمة مقارنة مع الاتحاد الأوروبي يوفر فرصاً اقتصادية أكبر.
وبحسب التقارير، نمت التجارة الداخلية بين دول الكومنولث بنسبة 17%، هذا بالإضافة للصفقات التجارية مع بريطانيا، بين عامي 2006 و2016، والتي شملت كميات ضخمة من محطات الطاقة والطرق السريعة والأغذية وألواح الطاقة الشمسية، وبناءً على ذلك فإن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سهّل على لندن عقد صفقات مع تلك المناطق سريعة النمو في العالم.
من جهة أخرى، تنظر لندن إلى السوق الخارجية عبر دول إمبراطوريتها السابقة للتعويض عن أي تراجع محتمل بفعل البريكست، وهي تتطلع للنفاذ في مبادرة “طريق واحد حزام واحد” التي أطلقتها الصين، من خلال دول جنوب آسيا وجنوب الصحراء الإفريقية أعضاء الكومنولث، كالهند وكينيا وأوغندا، بالإضافة للدول المطلّة على المحيط الهادي مثل أستراليا وكندا وماليزيا وسنغافورا، التي تشكل طريقاً للعبور إلى منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والهادي، وما يحمله ذلك من ميزات قد تتيح لبريطانيا أن تصبح بوابة هذه الدول للتجارة مع أوروبا.
بالمقابل، هناك من يشكّك بإمكانية أن يحلّ الكومنولث مكان الاتحاد الأوروبي تجارياً واقتصادياً، مستندين في ذلك إلى أرقام تجارة البضائع والخدمات، عام 2016، بين بريطانيا و15 دولة، 9 منها في الاتحاد، والتي تفوق حجم تجارتها مع أكبر شريكين لها في المنظمة، كندا والهند، حيث تؤكد المعطيات أن دول الكومنولث تستقبل 9% فقط من صادرات بريطانيا، بينما يستقبل الشركاء الأوروبيون 43% منها.
اليوم وبعد حوالي العام على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وما شهده من تقلبات ومتغيّرات أثرت على سوق التجارة العالمية، لا يمكن الحكم إذا ما كانت الأحلام الإنكليزية قد تتحقق، وأن بإمكانها زيادة مكاسبها الاقتصادية من خلال دول الكومنولث، خاصة وأن اقتصادات تلك البلدان قد تضرّرت بدورها جراء الإغلاق الذي فرضه فيروس كورونا.
رغد خضور