صناعة الرعب.. من الذي يفبرك مقاطع الفيديو؟
الدراسات
بعد أن سيطرت حركة “طالبان” على أفغانستان في 15 آب 2021، تمّ تداول مقطع فيديو لامرأة تُقتل في الشارع لأنها لم تكن ترتدي البرقع. ويُظهر مقطع الفيديو المصوّر امرأة ترتدي الحجاب، وملابس سوداء وسترة حمراء، يُطلق النار على رأسها بمسدس من قبل أحد المسلحين الذين كانوا يقفون حولها.
انشغل القائمون على محركات البحث بهذا الفيديو، حيث تبيّن لاحقاً أنه تمّ تداوله على الإنترنت منذ عام 2015 في تقارير عن عملية إعدام نفذها فرع “تنظيم القاعدة- جبهة النصرة” في سورية. ومن خلال البحث العكسي على Google، تبيّن أن الفيديو نفسه تمّ الإبلاغ عنه بواسطة وسيلة الإعلام الأمريكية Vice News في 17 كانون الثاني 2015، حيث ذكر التقرير المرفق أن الفيديو تمّ تصويره في معرة النعمان في محافظة إدلب السورية، ويظهر إعدام امرأة على يد جماعة إرهابية مرتبطة بـ”القاعدة”.
ووفقاً لتقارير إعلامية نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، ومعهد تغطية الحرب والسلام، ظهرت “جبهة النصرة” لأول مرة في كانون الثاني 2012، ما يشير إلى أنه لم يكن من الممكن التقاط الفيديو خلال فترة حكم “طالبان” الأولى في أفغانستان من عام 1996 إلى عام 2001.
على مدى سنوات “الفوضى الخلاقة” التي أطلقتها الولايات المتحدة، تواصلت هيستيريا التضليل الإعلامي لتصبح حرب المعلومات أحد أبرز جوانب الحرب في الترويج للتنظيمات الإرهابية واختراع غطاء سياسي وإنساني لها. وقد كشفت وثائق مسرّبة نشرها موقع “غراي زون” الأمريكي في وقت سابق أن شركات تعاقدت مع قوى ودول غربية عملت على مدى سنوات طويلة على تشكيل وتهيئة وتحضير تنظيمات إرهابية، وكانت في كل مرحلة من المراحل مسؤولة عن التسويق لها وخلق صورة مزيفة عنها في أعين المتابع الغربي، إضافة إلى اختراع الشعارات وفبركة القصص والصور والتحضير لمقابلاتها في وسائل الإعلام الأجنبية.
الوثائق التي نشرها “غراي زون” وغيرها من المستندات والتسريبات أظهرت إنفاق الحكومات الغربية مليارات الدولارات بشكل مباشر أو عبر هذه الشركات المتعاقدة والمرتبطة بشكل أو بآخر بأجهزة الاستخبارات الأمريكية والبريطانية لإخفاء الحقائق وتزويرها عبر تجنيد أشخاص اصطلحت تسميتهم في وسائل الإعلام الغربية والأمريكية (نشطاء) لفبركة التقارير والقصص والصور وقلب الوقائع بحسب ما يخدم مصالح القوى الاستعمارية.
ومؤخراً، كشفت دراسة أميركية أن عدداً كبيراً من وسائل الإعلام الإلكترونية تفتقد إلى الدقة وتساهم في نشر الشائعات، مؤكدةً أنه ليس كل ما يُنشر على الشبكة يتمتّع بالمصداقية. وقالت الدراسة التي تحمل عنوان “أكاذيب وأكاذيب”: “بدلاً من لعب دور مصدر معلومات دقيقة، يساهم عدد كبير من وسائل الإعلام الإلكترونية في التضليل لتحصد مزيداً من الزيارات لموقعها ومن الاهتمام”.
وأضافت الدراسة، التي تمّت بإدارة كريغ سيلفرمان في معهد “تاو سنتر للصحافة الرقمية” في جامعة كولومبيا أن وسائل الإعلام اضطرت لمعالجة أخبار لم يتمّ التحقق من صحتها لكن بعضها تسرعت في نشر أخبار كاذبة!.
وتابعت الدراسة نفسها أن عدداً كبيراً من المواقع لا يتحقق من صحة المعلومات التي يقوم بنشرها. وبدلاً من ذلك يقوم بربطه بوسيلة إعلام أخرى تشير هي نفسها إلى وسائل إعلام أخرى. وقال سيلفرمان: “إن المعلومات الكاذبة تثير في أغلب الأحيان اهتماماً أكبر من الأخبار الصحيحة، لذلك تنتشر بشكل أوسع”.
في الواقع معظم المتابعين على الشبكة العنكبوتية لا يعرفون القصص الحقيقية من نظيراتها المزيفة، لذلك تتحمّل الصحافة جزءاً من المسؤولية في ذلك، لأن معظم الأخبار الكاذبة التي تنشرها وسائل الإعلام الجديدة، أو الصحافة الصفراء، تسمح وسائل الإعلام التقليدية لها بالانتشار.
وصرّح بيل أدير، أستاذ الصحافة في جامعة ديوك التي أطلقت في 2007 موقع “بوليتيك فاكت” للتحقق من الوقائع: “من المقلق أن نرى صحفيين ينقلون معلومات لا يعرفون إن كانت صحيحة أو كاذبة”. وأضاف أن تويتر ومواقع التواصل الاجتماعي تعمل بسرعة، وكثير من الناس بمن فيهم صحفيون يرون أنه إذا وضعت تغريدة فستنشر، لذلك فإنها حرب رابحة، لكن وسائل الإعلام من واجبها التحقّق مما تنشره.
وأكدت أستاذة وسائل الإعلام الجديدة في جامعة جورج واشنطن نيكي آشر أن هذا الأمر كان وارداً دائماً، لكن الفرق اليوم هو أن الشائعات تنتشر بشكل أسرع. وأضافت: على مرّ الوقت تصبح الحقيقة في أغلب الأحيان أقل أهمية وجودة من الكذب.
وكان خبراء في الإعلام والاتصال حذّروا من ظاهرة فبركة الأخبار والترويج لمصداقيتها، واعتبروا أنها تهدّد الإعلام التقليدي، لأن هذه الظاهرة تعتمد على طريقة ترويج الشائعات والأخبار “المفبركة” عبر إعادة تدويرها لإضفاء مصداقية “مفتعلة” عليها. وقد بدأت هذه الظاهرة مع تنامي لجوء الجمهور إلى مواقع التواصل الاجتماعي كمصدر للأخبار، واستخدام نشطاء وجماعات ضغط لتلك الوسائط للترويج لمواقفها ومزج الخبر بالرأي، إلا أن قوى كبرى، ودولاً تستثمر في الإعلام كوسيلة للسياسة الخارجية، بدأت تطوّع الظاهرة لإضفاء مصداقية على أخبار مختلقة بهدف التأثير في الرأي العام باتجاه معيّن، وعبر التدوير من موقع لموقع ثم لوسيلة إعلام رئيسية يصبح الخبر وكأنه “موثوق”!.