هل يفلح “العلاج بالكيّ” في ضبط إيقاع سعر الصرف والكتلة النقدية؟
دمشق- ريم ربيع
“آخر العلاج الكيّ”.. لربما تستخدم اليوم المؤسسات المصرفية والمالية هذا المثل لتبرير إجراءات وقرارات قاسية إلا أنها ضرورية!، فمن الطبيعي أن الظروف القاسية تتطلب إجراءات قاسية وهو أمر لا يغفله أحد، غير أن السؤال يبقى حول جدوى هذه الإجراءات ومدى نفعها وانعكاساتها على مختلف الجوانب الاقتصادية والمعيشية، وهنا كان الجدل الذي بدأ منذ أيام حول قراري المصرف المركزي بتمويل المستوردات وتعهد إعادة قطع التصدير، وما رافقهما من اعتراض أو مديح.
سبب الارتفاع
لا ينكر أحد أن مجموعة الإجراءات التي اتخذها المصرف المركزي منذ عدة أشهر نجحت –رغم الاستياء منها- بتثبيت سعر الصرف لفترة طويلة بعد سنوات من التذبذب، مما انعكس ارتياحاً واضحاً في المعاملات التجارية والصناعية والمصرفية، ولم يخفِ التّجار هذا الأمر بل عبّروا عنه في لقاءات عديدة منذ رفع سعر الصرف الرسمي إلى 2500 ليرة، حيث وجدوه معتدلاً وقريباً من السوق الموازية بما يضفي شيئاً من الاستقرار على تعاملاتهم التجارية، إلا أن الأيام الماضية شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في سعر السوق السوداء قبل أن يعاود انخفاضه، وهو ما ربطه الخبير الاقتصادي د. ماهر سنجر بتزامن المضاربة مع اقتراب فصل الشتاء، حيث يتمّ استجرار كميات كبيرة من الوقود من الخارج مما يعني الحاجة إلى قطع أجنبي لتمويل هذه المستوردات، إضافة إلى التزامن مع افتتاح المدارس سنوياً، لكون هذه الفترة تشكّل ضغطاً على دخل الأسرة السورية المستنفد أساساً نتيجة لارتفاع تكلفة احتياجاتها، وبالتالي سيستفيد المضاربون من الظروف العامة التي يفاقمها غلاء أقساط المدارس وغلاء المتطلبات اللازمة لتجهيز الطلاب.
تنفسوا الصعداء!
وسواء أكان السبب هو هذا الارتفاع الأخير أم أنها ضمن رؤية استراتيجية، فإن القرارين الصادرين عن المصرف المركزي مؤخراً حول تمويل المستوردات وتعهد إعادة قطع التصدير سرعان ما وجدا معارضيهما كما مؤيديهما، إذ انقسمت الآراء بين تجار وصناعيين وخبراء ومتابعين حول جدوى القرارين ومدى فاعليتهما والآثار المترتبة على كلّ منهما.
ورغم أن لكل قرار منتقديه إلا أن ردّ الفعل على تعهد إعادة قطع التصدير كان الأخف وطأة، حيث “تنفس البعض الصعداء” بعد صدور القرار بعد طول انتظار حسب تعبيرهم، معتبرين أن المطالب بتطبيقه قديمة ولم يكن بتأجيله سوى الخسارات!. فيما أوضح سنجر أن إجراء تعهد إعادة قطع التصدير استخدم أكثر من مرة وألغي وأعيد تطبيقه بالتزامن مع القرارات المتعلقة بمدد إجازات الاستيراد أو نوعية المواد المسموح باستيرادها، موضحاً أنه عادةً ما يرتكز إصدار القرارات المتعلقة بقطع التصدير على مؤشرات حجم الصادرات، فعلى الأرجح لم يساهم إلغاء إعادة قطع التصدير مسبقاً بزيادة حجم الصادرات أو دفع العملية الإنتاجية بالشكل المطلوب.
ورأى سنجر أن إعادة قطع التصدير بقيمة /50%/ وفقاً لقرار المصرف المركزي الجديد رقم /1071/ يرتبط بضبط أسعار سعر الصرف ومواجهة التضخم، فيما سبق وواجهت هكذا قرارات الاعتراض من قبل بعض التّجار، سواء ما يتعلق بمدد إجازات الاستيراد أو تحديد المواد الأساسية المسموح استيرادها أو إعادة نسبة من قطع التصدير، لذا من الجيد اليوم التفكير بآلية جديدة تشابه آلية التعامل مع الحوالات الخارجية الواردة، حيث خصّ المركزي الحوالات بسعر صرف خاص لضمان مرورها عبر قنوات رسمية بدلاً من عدم الاستفادة منها، معتبراً أنه لا مانع اليوم من المضي بالمنهجية نفسها ووضع سعر صرف خاص بقطع التصدير بغاية تقليل أثر فروقات سعر الصرف على التاجر، وجعل قطع التصدير يمرّ من خلال قنوات رسمية، وبالتالي الوصول إلى أرقام شفافة حقيقيّة تتعلق بقيم الصادرات للخارج وأثرها في ميزان المدفوعات.
حماية التاجر
أما فيما يتعلق بتمويل المستوردات وقرار المركزي بتمويل الاستيراد بموجب اعتمادات مستندية، أو بموجب مستندات تحصيل مستحقة لدى الاطلاع، أو مؤجلة الدفع أو مستندات مقرونة بشرط الدفع المسبق، أو بيع القطع الأجنبي للمستورد عن طريق المصارف المرخّص لها التعامل بالقطع الأجنبي، أو بيع القطع الأجنبي للمستورد عن طريق إحدى شركات الصرافة العاملة ضمن إطار عمل اللجنة المشكلة بقرار رئيس حكومة أو من حسابات المستورد في الخارج، فإن الانتقادات مازالت تلاحقه أيضاً من مختلف الأطراف بين استحالة تطبيقه وعدم جدواه والانعكاسات السلبية له، وقصور البيئة اللازمة لتطبيقه.
ومن وجهة نظر أخرى ربط عضو غرفة تجارة دمشق عماد قباني نجاح القرار بتطبيقه بشكل صحيح، معتبراً أن التاجر سيكون أول المستفيدين منه إن طُبق كما يجب، فاليوم يشكو التّجار تسعيرة التموين المرتبطة بسعر 2500 ليرة، إذ لا يمكن للتاجر أن يسعّر حسب التموين وبذلك يواجه العقوبات والمخالفات، أما القرار فقد أتاح قنوات للتحويل وتمويل المستوردات وبذلك يحصل التاجر على إيصال بالسعر الحقيقي ويقدّمه للتموين ليتجاوز المخالفة، مشيراً إلى أن هذا الإجراء سيلغي الأسماء الوهمية للاستيراد ليصبح معروفاً من المستورد والمصدّر الحقيقي.
وأوضح قباني أنه أصبح هناك قنوات رسمية للتحويل، مما يضمن حقوق الجميع ويحدّ من التجاوزات، مؤكداً أن في القرار حماية للتاجر وأتمتة للصادرات والمستوردات، أما المرونة والانسيابية في تطبيق القرارات فهي –برأي قباني- أمر صعب في ظل الحصار والعقوبات التي ضاعفت العوائق.
تقليل المضاربة
بدوره د. ماهر سنجر أوضح أن موضوع إجازات الاستيراد يستند اليوم إلى منهجية السياسة النقدية، ومن ثم السياسة الاقتصادية على الرغم من تبعيته لوزارة الاقتصاد، فهو من ناحية التوسّع أو تقليل المنح يرتبط بالسياسة النقدية والتأثير بسعر الصرف، ليتكامل مع السياسة الاقتصادية من ناحية تنشيط الصناعة الداخلية وحماية المنتج المحلي، حيث إن قيمة التمويل وانتقائية الإجازات المموّلة وتخفيض مدة إجازة الاستيراد، هي للتأثير بحجم الكتلة النقدية من القطع الأجنبي في السوق ولتقليل احتمال المضاربة بقطع تمويل المستوردات.
ورأى سنجر في القرار دفعة قوية لبرنامج إحلال بدائل المستوردات الذي أُطلق في بدايات العام /2019/، حيث إن تخفيض المدة اقتصر على إجازات التّجار دون تغيّر في مدد الاستيراد للصناعيين، ما يعني الدفع ببرنامج الإحلال إلى الأمام قدر الإمكان، كما أنه من الجيد عدم إغفال آثار قانون الاستثمار الجديد الذي أتى بكمّ من المزايا والإعفاءات الضريبية ستسهم في إطلاق مشاريع داخلية تدعم برنامج الإحلال.