المخرج علي الماغوط: لا أعتبر نفسي ممثلاً ومشروعي هو الإخراج فقط
لم يكن فيلم “الرحلة 17” الذي أبصر النور مؤخراً ضمن العرض الخاص له في سينما كندي دمّر وسط إعجاب الجمهور بما قدّمه شكلاً ومضموناً عمله السينمائي الأول، ففي رصيده كمخرج مجموعة من الأفلام السينمائية الطويلة والقصيرة التي شاركت في مهرجانات محلية وعربية وعالمية وتظاهرات سينمائية كفيلم “غرفة لا أكثر” الذي شارك بمهرجان لويس لوميير بباريس وبتظاهرة سينمائية ببرلين، وفيلم “البداية” الحائز على جائزة لجنة التحكيم الخاصة بمهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة.. إنه المخرج علي الماغوط الذي كان لنا معه الحوار التالي:
*كيف أردتَ أن يكون فيلمك “الرحلة 17” على صعيد الشكل والمضمون؟ وكيف تعاملتَ كمخرج مع تجربتك الأولى؟.
**حاولتُ أن يكون مختلفاً تماماً عما تمّ طرحه سابقاً في الأفلام التي تخصّ الحرب والحب، فاشتغلتُ على موضوع الحالات الإنسانية وما يحدث أثناء الحصار في كواليس الضباط وعالمهم والعلاقة التي تنشأ بينهم بغضّ النظر عن الرتب، وكذلك تسليط الضوء على مفاصل الحياة اليومية لهم والحالات التي يعيشونها، ومن ثم الانتقال للحديث عن موضوع مغامرة كسر الحصار وإنقاذ الجرحى، مع التأكيد أنه تمّ التعامل مع هذا الموضوع بحذر كبير لأنه مادة توثيقية، وأشير إلى أن التحضير للفيلم استغرق سنتين وتطلَّب عمليات بحث وتوثيق ولقاءات مع ضباط الفرقة 17 وأسر الشهداء، وكذلك الاستعانة بشهود عيان من الرقة لتحقيق مصداقية تامة، أما الأولويات بالنسبة لي فقد كانت العمل على إيصال رسالة الفيلم وتحقيق المصداقية من خلال محاولة التقريب قدر الإمكان بين الممثلين والشخصيات الحقيقية والاعتماد على المادة التوثيقية لتأكيد صحة المادة الدرامية التي طرحها الفيلم، لذلك شاهد الجمهور الأحداث التي وقعت بشكل درامي أولاً ومن ثم قام أصحابها الحقيقيون بسردها، وبذلك يكون الفيلم وثيقة عن الحرب التي عشناها.
*ما هي أهم الصعوبات التي تواجه المخرج حين يتناول أحداثاً حقيقية؟.
*الصعوبة في مثل هذه الأعمال تكمن في مدى إمكانية إيصال الفكرة والحالة من خلال المعلومة الحقيقية وأداء الممثل الذي يجب أن يرتقي إلى مستوى الأبطال الحقيقيين، وقد تواجد بعضهم في العرض الخاص، وليكون أداء الممثل مقنعاً لهؤلاء كان هاجسي قبل التصوير جمع الممثلين مع الأشخاص الحقيقيين في لقاءات مطولة. ولا أخفي كذلك الصعوبات التي واجهتنا أثناء بروفات الحركة والتدريبات بما يخصّ المشاهد الحربية والمعارك وحالات الحصار، فهذه المرحلة من المراحل الصعبة التي كان من الضروري تجاوزها بهدف التحضير الجيد وتقديم فيلم يحترم الأبطال الحقيقيين الذين تحدث الفيلم عنهم وإيصال رسالته بكل مصداقية.
*ما بين الرغبة وما كنت تطمح إليه هل أنت راضٍ عن النتيجة؟.
**لا يوجد مخرج راضٍ عن المنجز الفني الذي ينجزه بشكل كامل. وأشير هنا إلى أنني صورت الفيلم في ظروف صعبة وخلال ستة أيام وبإمكانيات متواضعة، ووفقاً لذلك أنا راضٍ عن النتيجة التي حققها الفيلم، ولكن أعترف أنه لو كان لديّ الوقت الكافي والإمكانيات الأكبر لكانت النتيجة أفضل، وهنا لا بد أن أُشير إلى التعاون الرائع بيني وبين حسن مصطفى الذي كتب السيناريو والحوار لـ”الرحلة 17″، وبيني وبين مدير التصوير والإضاءة خليل سلوم الذين يستحقون كل التقدير على الجهود الكبيرة التي بذلوها في الفيلم، ليكون الشكر الأكبر أيضاً للمؤسسة العامة للسينما لدعمها وتبنيها للفيلم.
*بدأتَ كممثل وبعد ذلك توجّهت إلى الإخراج، فهل كان ذلك بمحض المصادفة أم عن سبق إصرار؟.
**كان الإخراج منذ بداياتي هو الهدف والمقصد، ولإيماني أن المخرج يجب أن يجرّب كل الفنون عملتُ لفترة في مجال التمثيل من خلال المسرح الجامعي، ومن ثم المسرح القومي، وكذلك في التلفزيون والسينما، كما كان لديّ تجارب على صعيد الرقص اللاتيني وكتابة الشعر والعزف على آلة العود، واتجهت للإخراج حين شعرتُ أن هدفي هو الإخراج السينمائي، لذلك لا أعتبر نفسي ممثلاً، ومشروعي هو الإخراج فقط لا غير، والتمثيل كان محطة ضرورية لي، حيث أصبح عندي معرفة بإدارة الممثل بشكل صحيح.
*أعطِنا فكرة عن عملك كمخرج منفذ.. وهل كل مخرج منفذ هو بالضرورة مخرج ناجح في المستقبل؟.
*في رصيدي عدد من الأفلام الطويلة والقصيرة كمخرج منفذ في السينما، وأنا سعيد بتجاربي العديدة مع نجدت أنزور وبتجربتي مع عبد اللطيف عبد الحميد، كما لي تجارب في الدراما التلفزيونية كتعاون فني في عشارية تمّ إخراجها مؤخراً بواسطة وليد درويش، وأشير إلى أنه ليس من الضروري أن يكون المخرج المنفذ مخرجاً ناجحاً، فهذا الأمر مرتبط بالطموح والإصرار الذي يملكه كل فرد. لكن ما هو مؤكد أن العمل كمخرج منفذ مرحلة مهمّة يجب أن يمرّ بها المخرج لأنها تصقله وتعلّمه، وأنا استفدتُ كثيراً منها، حيث عملت مع المخرج نجدت أنزور في عدة أعمال، منها فيلم “رد القضاء” و”دم النخل” ومسلسل “وحدن” واكتسبتُ من عملي فيها كمخرج منفذ خبرة ومهارة وتوسيعاً لذاكرتي البصرية، وكنتُ سعيداً أيضاً من الاستفادة من خبرة المخرج عبد اللطيف عبد الحميد الذي تعاملتُ معه مؤخراً لأول مرة من خلال فيلمه الأخير “الطريق”، ومن حسن حظي أيضاً أنني سبق والتقيتُ المخرج محمد عبد العزيز في ورشة عمل سينمائي للمحترفين كنتُ فيها مخرجاً فنياً إلى جانبه فاكتسبتُ من خبرته ومهاراته أيضاً، وبالتالي فإن العمل كمخرج منفذ مرحلة مهمّة لأيّ مخرج ناجح.
*غالباً ما تكون الأفلام القصيرة بالنسبة لبعض المخرجين مجرد مقدمة وتمهيد لتقديم أفلام طويلة، فهل كان الحال بالنسبة لك كذلك؟.
**نعم، بدأت من خلال تقديم الأفلام القصيرة تمهيداً لتقديم الأفلام الطويلة، وهذا أمر طبيعي وخطوة صحيحة وضرورية وقد استفدتُ منها كثيراً، وأول فيلم قصير لي كان بعنوان “البداية” الذي نال جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة، وأنا أفتخر بكل الأفلام القصيرة التي أنجزتُها في بداياتي.
*تعاملتَ مع عدد من المخرجين، فمن هو المخرج الذي مازال تأثيره باقياً فيك كمخرج؟.
**كنتُ حريصاً مع كل مخرج عملت معه ألا أتأثر بأسلوبه قدر الإمكان حتى لا أنمّط ضمن قالب فني معيّن، لذلك كنت أسعى للتعلّم من كل مخرج واكتساب مهارات بعيداً عن التقليد والتأثر بهدف تكوين شخصية وأسلوب خاصين بي.
*ما الشبه والاختلاف بين فيلميك “تراب وماء” و”الرحلة 17″؟ وما أهمية هذه النوعية من الأفلام؟.
**فيلم “تراب وماء” وثائقي ولم يحقّق شروط الديكودراما مثل فيلم “الرحلة 17” وهو فيلم وثائقي طويل يحكي عن الحرب والأزمة الاقتصادية، في حين تناولتُ في “الرحلة 17” الحرب العسكرية، وأؤكد أن “تراب وماء” فيلم مهمّ تناول خفايا الحرب التي نعيش نتائجها اليوم، وهذه الأفلام مهمة كونها أفلاماً وثائقية، لذلك كان من الضروري أن نوثق ما حدث في سورية ضمن أفلام هي بمثابة وثيقة للأجيال القادمة، وهي لا تقلّ أهمية عن الأفلام الروائية، فما زلنا حتى اليوم نشاهد أفلاماً عن الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية.
*كنتَ أحد المخرجين الأربعة لفيلم “حنين الذاكرة” فما هي النتيجة التي خرجتَ بها من هذه التجربة ومن فكرة تعدّد مخرجي الفيلم الواحد؟.
**”حنين الذاكرة” تجربة رائعة اشتغلتُ فيها مع زملاء رائعين وكنت سعيداً بوجودي ضمن هذا المشروع المشترك الذي اشترك فيه أربعة مخرجين شباب، وأتمنى أن تتكرر هذه التجربة ولو على صعيد الأعمال التلفزيونية، فتجربة تعدّد المخرجين ضمن العمل الواحد تجربة ناجحة كثيراً في الخارج وأتمنى تكريسها في سورية.
*كيف تسكت صوت الممثل لديك ورغبتك بالوقوف أمام الكاميرا؟.
**ما هو مؤكد أنه ليس لديّ رغبة بالوقوف أمام الكاميرا، فرغبتي الحقيقية الوقوف وراءها لأن مشروعي هو الإخراج وليس التمثيل، والوقوف أمام الكاميرا في بعض الأحيان يكون اضطرارياً أو إنقاذاً لموقف وأحياناً لرغبة بعض المخرجين في المشاركة بدور خفيف.
أمينة عباس