دراساتصحيفة البعث

مجرد حيلة سياسية!

تقرير إخباري

ألغى جاريد بوليس، حاكم ولاية كولورادو الأمريكية، القرار الذي أعلن في القرن التاسع عشر، ويدعو إلى قتل الأمريكيين الأصليين والاستيلاء على ممتلكاتهم، كخطوة أولى للبدء في التعويض عن “خطايا الماضي”.

القرار الصادر في عام 1864، عن الحاكم الإقليمي الثاني لولاية كولورادو آنذاك جون إيفانز، أدّى في النهاية إلى مذبحة “ساند كريك” في تشرين الثاني 1864 والتي خلفت أكثر من 200 قتيل من قبيلتي “أراباهو وشيان”، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن، وكانت تلك الحادثة من أحلك اللحظات في الولاية.

مثل هذا “التعديل” الذي أقرّه الحاكم بعد أكثر من قرن أشبه بحيلة سياسية، فتاريخ الأمريكيين الأصليين مرتبط بالاستعمار والإبادة الجماعية. ومع ارتكاب العديد من الجرائم في التاريخ، وبالنظر إلى أن العواقب لا تزال مؤلمة، لا يستطيع السياسيون الأمريكيون النجاح في محاولتهم تحقيق ما يُسمّى بالمصالحة ببساطة من خلال الاعتذارات أو الحيل السياسية.

والأمر الأكثر إثارة للسخرية هو أن هذا الإعلان تمّ إلغاؤه بعد أكثر من 100 عام، فأين كانت تطورات عملية الديمقراطية الأمريكية خلال المائة عام الماضية؟ لقد ادّعت الولايات المتحدة دائماً أنها تحمي حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية، لكن ما هو واضح أن ذلك لم يكن سوى تشدق بالكلمات. ولذلك فإن الأفعال مثل إلغاء قانون 1864 ما هي إلاّ خدع سياسية ليس لها أهمية جوهرية، ومن غير المرجح أن يكون لها تأثير عميق، وفقاً لما قاله تشانغ تنجون الباحث المساعد في معهد الصين للدراسات الدولية، لصحيفة “غلوبال تايمز”.

إذا كان السياسيون الأمريكيون يريدون حقاً “التعويض عن خطايا الماضي”، فمن العملي إجراء تصحيحات حقيقية للأخطاء التاريخية وتعويض هؤلاء الضحايا. لكن الآن، من نواحٍ عديدة، لم تفِ الحكومة الفيدرالية الأمريكية بمسؤولياتها، حيث لا تزال الكانتونات الهندية من بين أفقر المناطق في البلاد. والأسوأ من ذلك، تشير البيانات إلى أن الهنود الأمريكيين وسكان ألاسكا الأصليين هم أكثر عرضة لتجربة جرائم عنيفة بمعدل مرتين ونصف أعلى من المعدل الوطني، فالأمريكيون الأصليون هم أكثر عرضة 2.5 مرة للاعتداء الجنسي والاغتصاب من أي مجموعة عرقية أخرى في الولايات المتحدة. كما تعاني المناطق المأهولة بالسكان الأمريكيين الأصليين عموماً من ظروف صحية سيئة وتفتقر إلى الموارد الطبية، وقد وجدت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها أن الهنود الأمريكيين وسكان ألاسكا الأصليين لديهم معدل إصابة بـ COVID-19 يبلغ 3.5 أضعاف معدل إصابة الأشخاص البيض.

وللأسف، لا يزال هؤلاء الأمريكيون الأصليون، حتى يومنا هذا، يواجهون التجاهل المنهجي وسوء المعاملة، فعلى سبيل المثال، في عام 2019، رفض مجلس استشاري في ولاية كارولينا الشمالية إنشاء مدرسة جديدة مخصّصة للأمريكيين الأصليين، فقد قال أحد أعضاء مجلس الإدارة إنهم رفضوا ذلك “على الأقل جزئياً بسبب الطريقة التي خطّطت بها المدرسة لتدريس التاريخ الأمريكي”. ولا يزال يتمّ القضاء بشكل منهجي على المعلومات المتعلقة بالأمريكيين الأصليين في وسائل الإعلام والثقافة الشعبية في الولايات المتحدة.

تشهدُ حقوق الإنسان تغيّرات عميقة في العالم، ولفترة طويلة، احتكرت الولايات المتحدة تقريباً مفهوم حقوق الإنسان، لكن أوضاع حقوق الإنسان فيها استمرت بالتدهور على مدار السنوات، لتفقد منذ فترة طويلة مكانتها المهيمنة في هذه القضية. ولمواجهة مثل هذا التاريخ المظلم، يحتاج المجتمع الدولي إلى دعم هؤلاء السكان الأصليين الذين تعرضوا للقمع لفترة طويلة. ومن خلال التحقيق الحازم وتقديم تعويضات حقيقية للأمريكيين الأصليين، يجب أن يتمتّع السياسيون الأمريكيون الذين يتمتّعون بنتائج الاستعمار بمزيد من الضمير والصدق لمواجهة هذا الفصل المخزي في التاريخ الأمريكي.

عناية ناصر