مجلة البعث الأسبوعية

الخيارات المتاحة لحل أزمة الكهرباء كثيرة.. تقليدية ونووية ومتجددة!! لماذا لا نستثمر في تقنيات تتيح الاستفادة من طاقة الشمس على مدار الساعة؟

“البعث الأسبوعية” ـ علي عبود

لم يتوقف الاهتمام النظري بالطاقات المتجددة على مدى العقود الأربعة الماضية، وكانت مشكلتنا دائما تكمن بعدم ترجمة اهتمام الحكومات المتعاقبة بهذه الطاقات أو ببعضها على الأقل إلى أفعال. وعندما عانت سورية من أزمة كهرباء حادة، في تسعينيات القرن الماضي، أثّرت على المصانع والخدمات والمواطنين، وكبدت الاقتصاد خسائر بالمليارات، علت أصوات حكومية وأكاديمية مطالبة بالاستثمار بالطاقات المتجددة وتحديدا بالطاقة الشمسية. وفعلا انعقدت مؤتمرات وندوات واجتماعات تناولت سبل وأساليب الاستثمار في الطاقات البديلة والمتجددة إلى.. أن (!!)

انفرجت أزمة الكهرباء، فتراجع الاهتمام، ولم تضع حكومة التسعينيات آنذاك خطة أو استراتيجية للاستثمار في أي نوع من الطاقات المتجددة، مراهنة على عدم تجدد الأزمة سواء في الأمد المنظور أو البعيد، ومتجاهلة أن معظم دول العالم بما فيها التي لن تعاني من أي أزمة كهرباء تستثمر مليارات الدولارات سنويا في مشاريع الطاقات المتجددة والنظيفة!

حسنا.. ها هي أزمة الكهرباء تعود مجددا مع تأكيدات حكومية بأنها لن تنفرج في المستقبل المنظور دون الاستثمار في مشاريع الطاقات المتجددة. وربما هي المرة الأولى التي تهتم فيها الحكومة بمشاريع الطاقات البديلة كخيار استراتيجي ودائم وتدعو القطاع الخاص للاعتماد على ذاته بتأمين الطاقة اللازمة لمنشآته الصناعية والخدمية. والسؤال الآن: أيهما أجدى وأفعل لحل أزمة الكهرباء في سورية جذريا: محطات التوليد التقليدية أم النووية أم الطاقات المتجددة؟

 

لاحلول قريبة ولا بعيدة

لقد وافق المجلس الأعلى للاستثمار بتاريخ 18 آب الفائت على منح التراخيص المؤقتة لثلاثة مشاريع استثمارية لتوليد الطاقة الكهربائية باستخدام الألواح الشمسية وتشميلها بقانون الاستثمار الجديد. وتبلغ استطاعة المشروع الأول 5 ميغاواط والثاني من 50 إلى 100 ميغا واط والثالث 10 ميغا واط.

وعلى الرغم من أهمية هذه المشاريع فإن السؤال: لماذا لا تطلب الحكومة من وزارة الكهرباء وضع خطة أو استراتيجية مع قائمة بمشاريع للطاقات المتجددة وجدواها الاقتصادية، والتي من شأنها أن تلبي حاجات القطاع الخاص من جهة ودعم الشبكة العامة من جهة أخرى.

والسؤال الأهم: ماذا يمنع الحكومة الحالية من وضع خطط لوزاراتها ترصد لها اعتمادات سنوية للاكتفاء الذاتي من الكهرباء المستمدة من الطاقات المتجددة؟

إن إضافة أي طاقة جديدة ومتجددة قي أي منشأة، عامة أم خاصة وحتى منزلية، تعني تخفيض الحمل عن منظومة الكهرباء التقليدية، بل ومدها بحجوم إضافية تساهم بحل أزمة الكهرباء تدريجيا إلى ان تزول نهائيا.

وما جرى خلال الأعوام الماضية لم يكن مبشرا، فقد قالت وزارة الكهرباء، في تموز 2019، إنها وضعت “رؤية لخلق بيئة تشجيعية للاستفادة من الطاقات المتجددة” تتضمن منح التسهيلات والمحفزات للمستثمرين، وتطوير التشريعات والأنظمة، وإعداد مصفوفة مشاريع استراتيجية، واقتراح ما يلزم لتوطين صناعتها. ورأت الوزارة حينها أنه في حال وافق مجلس الوزراء على هذه الرؤية فإن عام 2020 سيكون عام النهوض بالطاقات المتجددة في سورية.

ولكن عام 2020 مضى دون أن نشهد أي مشاريع جدية تتيح توطين صناعة الطاقات المتجددة في سورية، وكل ما شهدناه استيراد تجهيزات لتوليد الطاقة من الشمس وللاستخدامات المنزلية للمقتدرين ماليا، باستثناء مشاريع متواضعة ومحدودة لبعض الصناعيين وبمبادرات فردية لا علاقة لها بأي رؤية أو استراتيجية حكومية في إطار الحل الجذري أو الجزئي لأزمة الكهرباء.. فلماذا هذا الاستخفاف بحل أزمة تلحق الضرر بالاقتصاد والعباد؟

نعم.. هواستخفاف عندما نكتشف، في حزيران 2021، إن كمية الكهرباء المولّدة من الطاقات المتجددة، سواء من الرياح أو الشمس، لم تتجاوز 150 ميغاواط.. ألا يعني هذا الرقم المتواضع أن الجهات، الحكومية والخاصة على حد سواء، لا تؤمن ولا تثق بالطاقات المتجددة ولا تزال تفضل الحل الأسهل وهو استجرار الطاقة من وزارة الكهرباء على الرغم من أن الوزارة أعلنتها مرارا بأن لا حلوال قريبة أو بعيدة لأزمة الكهرباء!؟

صحيح أن استراتيجية وزارة الكهرباء للطاقات المتجددة تغطي عقدا كاملا، أي لغاية عام 2030، لكن أقصى طموحها أن تصل نسبة مساهمة الطاقات المتجددة إلى خمسة بالمئة فقط من إجمالي الطاقة الأولية عام 2030، أي 1500 ميغاواط لواقط كهروضوئية، و900 ميغاواط عنفات ريحية، و1.2 مليون سخان شمسي!

ماذا كانت النتيجة حتى الآن؟

وزارة التنمية الإدارية طالبت بإلغاء المركز الوطني لبحوث الطاقة!!

أكثر من ذلك.. على الرغم من أن واقعنا الكهربائي بات في أسوأ حالاته، إلى حد انعكس وينعكس سلباً على العمل والإنتاج والحياة العامة منذ عدة أعوام، فإن رئيس الحكومة السابق يتحمل مسؤولية توقف المستثمرين عن إقامة مشاريع الطاقات المتجددة بعد انطلاقها استناداً للمرسوم 32 لعام 2010.

ألا يعني هذا بأن الجهات الحكومية لم تكن حتى الأمس القريب القدوة للقطاعات الأخرى باستخدام الطاقات المتجددة؟

 

كل شيء سيتغير!

طبعا، بعد حديث السيد الرئيس بشار الأسد عن الطاقات المتجددة ودعمها وأهمية التوسع باستخدامها سيتغير كل شيء، ومن المؤكد أن وزارة التنمية الإدارية ستتراجع عن مطلبها بإلغاء المركز الوطني لبحوث الطاقة، بل ان المركز سيتلقى دعما حكوميا مباشرا، وقد يتبنى مجلس الوزراء قريبا جدا استراتيجية وزارة الكهرباء الخاصة بتوطين صناعة الطاقات المتجددة، وليس مستبعدا أن يطلب من الوزارة إعادة النظر باستراتيجيتها بما يتيح الاستثمار بمشاريع الطاقات المتجددة لتصل نسبتها إلى ما لا يقل عن 25% من إجمالي الطاقة الأولية في عام 2030. وإذا قدمت الحكومة دعما ملموسا لمشاريع الطاقة فقد نشهد مجمعات ضخمة لتوليد الكهرباء من مصادر متجددة أسوة بالكثير من البلدان، بما فيها النامية لا المتقدمة فقط.

لقد تأخرنا كثيرا جدا باستثمار الطاقات المتجددة، وكان يفترض بالجهات الحكومية أن تتعامل، منذ عشر سنوات على الأقل، مع أزمة الكهرباء باعتبارها تحديا، وتحولها إلى فرصة للاستثمار في البدائل الداعمة للشبكة لا باستنزافها يوما بعد يوم، مع ما يعنيه هذا الاستنزاف من زيادة ساعات التقنين، أي إلحاق الخسائر الجسيمة بالاقتصاد والعباد.

 

المتجددة تدعم الصناعية والصغيرة

قد تكون الطاقات المتجددة فعالة في المشاريع المتوسطة والصغيرة، وهذا ما يمكن ان يقوم به المركز الوطني لبحوث الطاقة من خلال تعريف أصحاب المشاريع بتطبيقاتها وكيفية استخدامها في القطاعات الصناعية والزراعية والمنزلية. لكن كيف يمكن الاستفادة من تطبيقات الطاقات المتجددة دون توفير البنى التحتية لمشاريعها، سواء بإقامة معامل لإنتاج ألواح الطاقة الشمسية والبطاريات والمستلزمات الأخرى ذات النوعية المميزة، او بإقامة مشاريع ضخمة من قبل الدولة، أو بالتشاركية مع القطاع الخاص.

ولعل المدن الصناعية أهم مجال لتطبيق الطاقات المتجددة، وهذا ما تجسد مؤخرا في منطقة الشيخ نجار حيث سيتم تنفيذ مشروع المحطة الكهروضوئية على مساحة 350 ألف متر مربع تم تقديمها من قبل المدينة الصناعية لوزارة الكهرباء لتنفيذ المحطة وهي باستطاعة 33 ميغا واط قابلة للتوسع حتى60 ميغا واط.

وتنفيذ واستثمار المشروع سيكونان من المؤسسة العامة لتوليد الكهرباء في وزارة الكهرباء، والأولوية في التغذية ستكون لمصلحة مدينة الشيخ نجار الصناعية، وما يفيض عن التغذية سيتم ضخه عبر الشبكة العامة، حيث إن حاجة المدينة الصناعية في ساعات الذروة تتراوح ما بين 20 ميغا واط إلى 40 ميغا واط، ما سيؤمن تغذية للمدينة خلال ساعات الإشعاع الضوئي.

وتعد المحطة الكهروضوئية صديقة للبيئة حيت سيتم التوفير في كمية الوقود اللازمة لتوليد الكهرباء بحوالي 13 ألف طن فيول في السنة، أي ما يعادل نحو 3 مليارات ليرة سورية، ولذلك فالمحطة الكهروضوئية في الشيخ نجار هي أكبر مشروع في سورية للطاقة النظيفة

 

المتجددة ما بين اللواقط والمركزة

وفي سياق استخدام الطاقات المتجددة، لفتنا رأيان مهمان لابد من الوقوف عندهما مطولا:

الأول للدكتور عمرو سالم وزير التجارة حاليا، فقد جزم بأن التحول للطاقة الشمسية يحتاج إلى 120 مليار دولار، ولمدة 20 سنة.

وينطلق الدكتور سالم من فرضية التحول الكامل من الطاقة التقليدية إلى الشمسية، وبما أننا نحتاج إلى أكثر من 10 آلاف ميغاوات نولّد منها حاليا 2500 ميغاوات، فإن كلفة إنتاج 7500 ميغاوات من الطاقة الشمسية يكلف ما لا يقل عن 120 مليار تحتاج إلى مدة لا تقل عن20 عاما، استنادا إلى تجربة الإمارات في مجال الطاقة الشمسية.

وهذه الفرضية لم تطرحها لا وزارة الكهرباء، ولا الحكومة، فما من بلد في العالم يخطط للتحول الكامل للطاقة الشمسية، فالطاقات المتجددة ترفد الشبكة العامة وتؤمن احتياجات الكثير من التجمعات الصناعية والزراعية والسكنية.

والإشكالية التي أشار إليها الدكتور سالم هي أنه لا يمكن الاستفادة من الطاقة الشمسية إلا في النهار، وهذا صحيح، لكن هناك تقنيات يمكن من خلالها تخزين الطاقة لاستخدامها لاحقا في الليل.

وهذه الإشكالية تنقلنا إلى الرأي الثاني الذي قدمه رجل الأعمال السوري المقيم في الصين فيصل العطري، فقد رأى إن محاولة تغذية بلد بأكمله بالطاقة بالألواح الشمسية أشبه بنقل ماء البحر بجردل. وطرح العطري سؤالين: من أين نحصل على الطاقة بعد غياب الشمس؟ وماذا عن الأيام الغائمة؟

ليجيب عليهما بسؤال ثالث: ما العمل؟

ويشير العطري إلى أن هناك نمطان من الطاقة يمكن الركون لهما:

الأول طاقة الرياح وهي مصدر مهم جداً خاصة أننا في بلد يحوي عدداً مقبولاً من الفتحات الهوائية التي يمكن أن توضع بطريقها مزارع ريحية تولد الطاقة بطريقة منتظمة، والثاني استخدام الطاقة الشمسية ولكن بتقنية تركيز الطاقة الشمسية، وأهم ميزات هذه التقنية أنها تؤمن طاقة مستمرة بمختلف الظروف ليلاً ونهاراً، وبمختلف ظروف العمل. وتتالف هذه التقنية من عدد كبير من المرايا المقعرة يتم تركيبها بطريقة معينة وعلى محركات خاصة، وهي كافية لاستمرار عمل العنفات البخارية بعد غياب الشمس.

ويسأل العطري: كيف نحصل على هذه التقنية؟

ويجيب: لقد طورت الصين هذه التقنية بل وتميزت بها وبالتالي يمكن للحكومة السورية أن تستدرج عروضاً من إحدى الشركات الصينية لبناء وتشغيل واستثمار هذه المحطات لمدة 25 سنة، لقاء نسبة من الأرباح، وبهذا سنحصل على كهرباء مستمرة وثابتة تؤمن أحد أهم لبناء الصناعة والسياحة والتجارة، وسوف تتمكن من تحويل قطاع الكهرباء من خاسر تدعمه الدولة لرابح تحصل الدولة على جزء من ارباحه وتستعيده بعد فترة زمنية، كما وتتخلص من التلوث البيئي الذي تسببه العنفات الحالية والمولدات والبطاريات، وتحافظ على مئات الملايين من الدولارات التي تُهدر سنوياً لاستيراد حلول ترقيعية.

 

الخيارات المتاحة لحل الأزمة

وبما أن الطاقات المتجددة لا يمكن أن تقدم حلا بديلا للطاقات التقليدية، فإن السؤال: ماذا عن الخيارات الأخرى المتاحة؟

الأول يكون باتفاقيات مع دول صديقة أو حليفة، تعيد تأهيل محطات التوليد القائمة، بل وتجديدها بالكامل وفق صيغة استثمارية لا ترهق خزينة الدولة، أو وفق صيغة استثمارية جذابة مطبقة في الكثير من الدول الأخرى.

الثاني: بناء محطات للطاقة البديلة لتزويد الوزارات والجهات العامة بالطاقة.

الثالث: تركيب ألواح الطاقة الشمسية على واجهات الأبنية لسد حاجتها من الكهرباء، وإلزام شركات البناء تحويل واجهات الأبنية التي ستشاد في مرحلة إعادة الإعمار إلى ألواح لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، والاستغناء عن كهرباء الحكومة.

الرابع: إلزام القطاع الخاص وبخاصة في المدن والمناطق الصناعية بتأمين حاجته من الكهرباء بتنفيذ محطات للتوليد من الطاقات المتجددة، وتقديم وزارة الكهرباء مشروع صك تشريعي يلزم الصناعيين باستخدام الطاقات البديلة (الشمسية والريحية) بدلا من الطاقة التقليدية (الكهرباء)، استخداما كاملا أو جزئيا كمرحلة أولية، وصولاً إلى تحول المنشآت الصناعية من الكهرباء التقليدية إلى الطاقات المتجددة بشكل نهائي.

الخيار الخامس والاستراتيجي: تنفيذ محطة طاقة نووية بالاتفاق مع الصين أو روسيا أوإيران!

ولا يعني ذلك أن تكتفي الحكومة بخيار أو اثنين، بل لا بد من تضع استراتيجية تتضمن جميع الخيارات المتاحة، هذا في حال كانت الرغبة جدية بحل أزمة الكهرباء جذريا، بل وتصدير الفائض إلى الخارج.

 

الخلاصة

وضع محطات التوليد لا يبشر بحل أزمة الكهرباء في الأمد البعيد، وبالتالي لابديل عن “نفضها” جذريا وزيادة طاقاتها مع السعي لبناء محطة توليد نووية، أو الاتفاق مع إيران لتزويدنا بهذه الطاقة مستقبلا عبر العراق، وأن نخطط، على التوازي، لتوطين صناعة الطاقات المتجددة بالتعاون مع الصين العريقة في هذا المجال، وتحديدا تقنيات الطاقة المركزة التي تتيح الاستفادة من الشمس.. ليلا نهارا!