اللغة العربية والتحديات الراهنة
اللغة العربية من أجمل الاختراعات التي أبدعها الإنسان، ومن أعرق اللغات وأعظمها وأجلّها، ولا يُعرف من لغات العالم الحيّة لغة كالعربية حملت لواء الحضارة وساهمت في نقل التراث، وبهذه المناسبة أقام اتحاد الكتّاب العرب ندوة بعنوان “اللغة العربية والتحديات الراهنة” بإدارة د. جابر سلمان، والتي تأتي ضمن خطة نشاطات لجنة التمكين للغة العربية.
لغة هجينة
هناك العديد من العوامل التي أثّرت في مسيرة تطور العربية، وهي ما تحدث عنه د. غسان غنيم في محاضرته التي جاءت بعنوان “مستقبل اللغة العربية.. أسباب الضعف”، ورأى أن واحداً من أهم الأسباب هي النظم التربوية في معظم البلاد العربية التي تقوم على التفاوت في التعليم بين الحكومي الذي غالباً لا يكون على مستوى جيد ومخصصاً لأبناء العامة من الناس، وبين التعليم الخاص ذي المستوى الجيد غالباً لأبناء النخبة مع التدريس بلغات أجنبية لا يشجّع على استعمال اللغة العربية وتداولها.
وتابع غنيم: من الآفات الكبرى التي تؤثر في مستقبل اللغة العربية أن المعلمين في المدارس العربية وبالمستويات جميعها لا يستعملون اللغة العربية الفصحى في تدريسهم، بل يفضّلون استعمال العامية، إما لضعفهم فيها أو لاستسهالهم لها أو لعدم تلقيهم تدريباً كافياً، أو لعدم وجود قوانين تلزمهم بالتدريس باللغة الفصحى المبسّطة التي تستعمل في المنابر الإعلامية الرصينة، وهناك ضريبة انتشار وسائل التواصل الحديثة، حيث فتحت هذه الوسائل والهواتف المحمولة طرقاً لغوية مستحدثة، فيتواصل كثير من مستعمليها بلغة هجينة، تكتب بالحرف اللاتيني كثيراً من الكلمات العربية، مع شيوع العيوب اللغوية والأخطاء التي تشوّه الكتابة العربية، وربما يكون للعولمة وصنّاعها يد في تفتيت اللغة وبنيتها لأنهم يدركون أنها من بين أهم العوامل التي تجمع أبناء الأمة العربية وتوحدهم.
العزلة المعرفية
تعاني اللغة العربية في ضوء التحوّل الرقمي للمعرفة المعاصرة من مشكلات جمّة، أخطرها الفجوة الرقمية التي تقصي اللغة العربية إقصاء شبه كامل عن المشاركة الفعلية في الناتج المعرفي للحضارة الجديدة، لذا فالعربية اليوم بحاجة ماسة لإنقاذها من العزلة المعرفية التي تواجهها، هذا كان محور محاضرة د. أحمد علي محمد “اللغة العربية والمعضلة الرقمية”، حيث لخّص المشكلات التي تهدّد وجود اللغة العربية في العالم الرقمي المعاصر، ومنها: الحاجة إلى روافد علمية وفكرية وأدبية متنوعة تمكنها من شغل مكانة مرموقة من اللغات الرقمية، ولا تمتلك قاعدة لغوية تتيح استخدامها على نحو فاعل على الانترنت بعد أن استكملت معظم اللغات العالمية هذه القاعدة وبدأت بإنجاز مشاريع معرفية ضخمة، عدم امتلاك اللغة العربية نصوصاً رقمية ذكية، نقص الترجمة الآلية لافتقارها إلى الحاسوبيات اللغوية التي تتيح الترجمة بصورة فورية ومن دون مترجم وبسرعة فائقة للحصول على نص سريع، لذا لا توجد برمجيات عربية تستطيع ترجمة كتاب كامل بسرعة، افتقار العربية إلى وسائل تكنولوجية يمكن أن تثبت فاعليتها في العالم الرقمي. المشكلات التي تعصف باللغة العربية ليست يسيرة، وهنالك معوقات جمّة مثل أزمة التعليم وفي الترجمة والإنتاج الفكري، إضافة لافتقار العربية إلى قارئ ضوئي ومدوّنة لغوية وترجمة فورية وبرنامج تصحيح آلي ومحركات بحث ومشاريع رقمية.
الموروث العامي
اللغة العربية موجودة في العقل الجمعي للأمة وهي لغة تصلح للتواصل، ويصلح أن يكون موروثها اللغوي أساساً في البناء اللغوي عند أبناء أمة العرب، وبالتالي موروث اللغة العامية لا يصلح أن يبني لغة صحيحة سليمة، وعليه فإن الطريق الصحيح هو الاعتماد على العربية الفصحى، وقدم د. محمد موعد في محاضرته “الموروث اللغوي وأثره في تمكين اللغة” رؤية معينة كي يقوم البناء اللغوي على أسس واضحة تعين الناس على إتقان لغتهم، حيث شرح بأن المرء يتكلم وفق ما يسمع، فإن كان سماعه صحيحاً أثر ذلك في لغته، فسمت وارتقت، وإن كان سماعه فاسداً فسدت لغته، وبناءً على هذا يجب أن نولي سماع الفصيح جانباً كبيراً من حياة أبنائنا، وهذا السماع هو الذي تقوم عليه اللغة.
وتابع موضحاً: المعضلة الرئيسية تكمن في أن هذا السماع مستبعد من حياة الوالدين تماماً، وذلك لأنهما يجهلان مدى أثره في تلقي اللغة الصحيح في شخصية الطفل في قابل الأيام، فلو كان هناك وعي كافٍ لأهمية اللغة في حياة الطفل وأثرها الكبير في بناء شخصيته السوية لقام الأهل بالسؤال والاستقصاء عن السبل الصحيحة والقويمة في بناء السماع الصحيح لدى الطفل، هذا بالإضافة إلى الإعلام أيضاً الذي يعود إليه الدور الأول في هذا المضمار، فعندما يكون من الهموم الأولى للإعلام بناء اللغة الصحيحة عند الأجيال تراه يخصّص جانباً منه في وسائله الأكثر انتشاراً لتبصير الناس بمدى قيمة اللغة في حياتهم.
عُلا أحمد