جلبوع.. وأهل اليقين!
حسن حميد
ما حدث في سجن جلبوع أمرٌ لا يصدقه إلا أهل اليقين! أهل العزائم والإيمان والعقيدة، ذلك لأنّه فعل لا يحيط به العقل البشري!. فرار ستة من الفدائيين فجراً كالجياد على الرغم من المنظومة الأمنية الهائلة متعدّدة المستويات التي تلفّ سجن (جلبوع) أكثر السجون الإسرائيلية البغيضة تحصيناً.
لا الحرّاس داخل السجن استطاعوا معرفة ما يفعله الفدائيون الستة المحكومون بمؤبدات عدّة، والذين وُصِفوا بأنهم الأخطر على المنظومة الأمنية الإسرائيلية التي صدّقت بعد مرور ربع قرن على سجن بعضهم أنّ روح المقاومة لديهم ماتت أو تلاشت، في حين كانوا يحفرون في كلّ ليلة بضع سنتيمترات وبملعقة صغيرة لكي يشقّوا دربهم الوطني فجراً كالجياد! ولا حرّاس السجن في الخارج قرب الأسوار، وفوق الأبراج استطاعوا ضبط تحرّكهم حين خرجوا من النفق/ الرحم الذي حفروه طوال شهور من الصبر والدقّة والحذر، ولا الكاميرات الداخلية التي تراقب الزنازين، والعنابر، والممرات اكتشفت حبة تراب أو حبة رمل واحدة، أو حضور شبهة لحراك الفدائيين الستة! ولا كلاب الحراسة المدرّبة اكتشفت ما يفعلونه داخل السجن، ولا كلاب الحراسة المدرّبة الموجودة في صناديقها الخشبية خارج أسوار السجن اكتشفت خروجهم وركوبهم وذهابهم إلى محطّات الوقود للتزوّد بالوقود من أجل رحلة النصر الوطني، ولا القنّاصة الذين يحيطون بأسوار السجن، وداخل الأبراج، اكتشفوا فعلهم الوطني! وربما لا أحد داخل السجن يعرف ما فعله، وما خطّط له الفدائيون الستّة لأنّهم يخشون من (العصافير) الواشية بزقزقاتها الرجيمة.
الفعل إعجاز!.. بلى، إنّه الإعجاز كلّه!. لأنّ حيرة الإسرائيلي الذي ظنّ وهماً بأنّه أحسن كلّ شيء من الناحية الأمنية، هي حيرة كبيرة، وكبيرة جداً، فهم في حال من الذهول غير المسبوق، وفي حال عدم التصديق، والأسئلة الثقيلة ترجّ أدمغتهم، حين يسألون:
كيف حفر الفدائيون نفقاً طويلاً إلى خارج السجن المحصّن والمراقب بالآلات الإلكترونية الحساسة التي تقيس أيّ ارتجاج تتعرّض له أرضية السجن المصفّحة بالحديد، وأيّ طرق يطال الجدران؟! وأين ذهبوا بالتراب والرمال وقطع الصخور التي خرجت من النفق؟! وكيف عرفوا الاتجاهات التي ستقودهم إلى خارج السجن، وكيف قدّروا الأعماق، ومقدار بُعد الفوهة التي سيخرجون منها عن الطريق؟! ولماذا لم يعرف الحرّاس، داخل السجن، أي شيء عن فعلهم الذي استمر وقتاً طويلاً، وكيف لم يخبرهم أحد من المتعاملين معهم بما يفعلونه؟! وهل من المعقول أنّ أحداً من المتعاملين معهم لم يشك بما يفعلونه؟! وهل تعاون حرّاس السجن، في داخله وخارجه، معهم؟! أم ماذا حدث؟!.
ما حدث، وبكلّ الوضوح، هو فعل وطني حرسته العين الإلهية، فهم ستة قلوب، وستة عقول، وست همم، وست إرادات جمعها يقين واحد، وعقيدة واحدة، وسرّ واحد، وحلم واحد، ودرب واحد، وغاية واحدة.
إنّهم أهل البلاد، والبلاد أمّ، فقد كانت الأرض أمّاً وهم يحفرون نفق الحرية. وكانت الأرض أمّاً وهم يخرجون من رحمها إلى عالم النهار، وعالم الخلاص والمجد! وكانت الأرض أمّاً حاجبة لهم عن عيون (العصافير) كلّها، وكانت الأرض أمّاً لهم، وهم في مسيرهم المشرّف، حين أخفتهم في جيوبها: الكهوف، والغابات، والأودية، والجبال، والرجوم، والبيوت.
وكانت السماء عيناً راعية/ رائية لخطوهم الوطني الذي يرسم خريطة الخلاص، فبغير هذه الخُطا المقاومة، والمواجهة، والعارفة، والمؤمنة باليقين الوطني.. لا رشيد ولا راشد للدرب الوطني الذي سيصل بنا إلى حلمنا في الخلاص من الاحتلال النقيض.
إنّهم الآن، وأمام المرآة الوطنية، يرون صورتهم الشّارقة بالضوء البهّار، فقد أحرقوا كتاب الاحتلال المنادي بالقوة والبطش وإماتة العزائم، أحرقوه ورقةً ورقةً.
وها هم، وأمام المرآة الوطنية، أبدوا هشاشة الاحتلال، وما يسري في جسده من سرطانات قاتلة.. فهم وعبر فعلهم الوطني/ المعجزة أحسن أجهزة التصوير الدقيقة الحديثة في العالم، لأنّهم أهل حقّ، وأهل يقين، وأهل فعل لا تماثله إلا.. أفعال الأساطير.
Hasanhamid55@yahoo.com