قصص ورأي قانوني في حديث “مسكوت عنه”.. الموت الرحيم!!
دمشق – لينا عدرة
قصص كثيرة بتنا نسمع عنها، لم نكن نتخيل حتى في أسوأ كوابيسنا أننا سنطرحها يوماً في الإعلام، أو ستكون من تفاصيل حياتنا اليومية، ربما أكثرها إثارة للدهشة، هي استشارة قانونية طلبتها طالبة أدب انكليزي من المحامي الأستاذ منيب هائل اليوسفي، تسأل فيها عن رأي القانون بما يسميه الطب الشرعي بـ “الموت الرحيم”، ليتحدث اليوسفي لـ “البعث” عن تفاصيل تلك الاستشارة، موضحاً أن الحديث عن الموت الرحيم ينبع من منطلق إنساني ناتج عن الوضع الاقتصادي المتردي الذي دفع البعض ليتمنى الموت، لدرجة وصلت عند فئة من الناس للتفكير بالانتحار، مروراً بحادثة لطالبة جامعية في السنة الثالثة تدرس الأدب الانكليزي، تعاني من وضع مادي سيىء جداً، وتسكن في غرفة للإيجار مع والدة مصابة بورم لا شفاء منه، حسب ما أكد لها الأطباء، وأب عاجز، تعطي دروساً خصوصية، تتدبر فيها أمور الحياة الصعبة التي دفعتها إلى أن تطلب استشارة قانونية، تسأل فيها عن موقف القانون من هذا الأمر، معللة موقفها بالوضع الصحي الميئوس منه لوالدتها التي تعاني آلاماً مبرحة يتخللها صراخ مستمر، إضافة إلى معاناة مادية لا توصف، سواء خلال نقل والدتها إلى المشفى مع كل جرعة، أو مع كل رحلة بحث مضنية عن مسكنات مفقودة في أحيان أخرى، ما أدى لاحقاً لدخول الفتاة بوضع نفسي مترد أوصلها لدرجة تتمنى فيها أن تبقى والدتها في حال سبات دائم علّها تشعر بالراحة، وصولاً لتمني الموت لها من فرط محبتها، لأنه الحل الوحيد لتخليصها من الألم، مستفسرة عن حق أمها بأن تنعم بموت هادئ، ما دفعها لسؤال الطبيب المعالج عن إمكانية زيادة الجرعة، وهو ما تم رفضه من قبل الطبيب، لتفكر لاحقاً بأن تزيد الجرعة من تلقاء نفسها من دون العودة للطبيب!.
ولأن الأمر أخذ حيزاً كبيراً من تفكيرها، يتابع الأستاذ اليوسفي، فقد سألت عدداً من رجال الدين عن رأي الشرع في الأمر، ومع تنوع الأجوبة بين من أفتى بالأمر، ومن منعه، انتهى بها المطاف لاستشارة محام عن موقف القانون، وعن إمكانية تعرّضها للمساءلة القانونية في حال قيامها به!.
ويتابع اليوسفي: جوابي لها كان رداً قانونياً بحتاً، وضحت لها من خلاله أن قيامها بمثل هذا الفعل يندرج ضمن جرائم القتل، مع أن هدفها أن تريح والدتها بسبب العذاب الذي يطال الطرفين: “الأم وابنتها”، مؤكداً لها أن قيامها بمثل هذا الفعل سيعرّضها للمساءلة القانونية والملاحقة الجنائية ولعقوبة لا تقل عن عشر سنوات، لأن الأمر مشابه لفتاة تنهي حياتها خوفاً من العار وتفشل، أو لشاب يقطع سلاميته، على سبيل المثال، هرباً من الخدمة الإلزامية، فجسد الإنسان ملكه، لكن للمجتمع حقاً فيه أيضاً، مبيّناً أن مثل هذه الحالات تندرج تحت عنوان: “الموت الرحيم” الذي تعرّض له الطب، وتحدثت عنه كتب الطب الشرعي، فالأمر قديم، كما هو معلوم للكثيرين، ليبقى السؤال الأهم عن أحقية إنسان مريض بأن ينعم بموت هادئ؟! وهل إنهاء حياة شخص مصاب بمرضٍ لا شفاء منه يتعذب، ويتذوق شتى ألوان المعاناة، وينتظر الموت المحتوم، بل ويطلبه، تعد على الآخرين؟!.
الجواب، كما أكد الأستاذ اليوسفي: “من منظور قانوني، لا يجوز طبعاً”، محذراً من أنه في حال أجاز المشرّع إزهاق حياة مريض ميئوس من شفائه، فإن الأمور ستتوسع بالتأكيد، وستأخذ منحى آخر، وتخرج من خلاله مهنة الطب وتنحرف عن هدفها الأساسي المبني على إنقاذ روح وليس إزهاقها، مستدركاً: إننا اليوم، وبسبب الحرب التي لامست وأثرت على كل مفاصل حياتنا، أصبحنا نشهد جواً من العنف والقتل، إضافة إلى الفقر الذي يولّد الجريمة، لدرجة بات معتاداً أن نسمع عن جرائم غريبة عن مجتمعنا.. جرائم أساسها العوز والحاجة والضغط الذي نعانيه، كجريمة قتل موزع الخبز من قبل شخص لرفضه إعطائه الخبز، وهي جريمة تعطي مؤشراً خطيراً جداً عن الحالة التي وصلنا إليها، ما يلزم الجهات المعنية بأن تتوقف كثيراً عند هذه الجريمة لدراستها، ودراسة أبعادها وأسبابها، ما يضعنا أمام وضع خطير يتجلى ببشاعة وخطورة المرحلة التي وصل البعض إليها؟! مع بقاء سؤال الفتاة من غير حل.. صحيح قُدّمت لها إجابة قانونية، ولكن لم يُقدّم لها حل ولا علاج لوضعها، ما قد يحوّلها لاحقاً إلى مجرمة، أو قد يدفعها سوء وضعها للانتحار، لنتهرب بذلك من مسؤولياتنا الأخلاقية والقانونية والاجتماعية، ونختبئ وراء اصبعنا!