بولس سركو: الواقعية باتت أولوية عندي لأرسم آثار الحرب
اللاذقية- مروان حويجة
ما بين مغادرة قريته الوادعة “العوينات” في ريف اللاذقية الشمالي بعد أن خيّم عليها ظلام الإرهاب وأتونه، وانبلاج النور والضياء بهمّة بواسل حماة الديار وتضحياتهم، تختزن ذاكرة الفنان التشكيلي بولس سركو مزيجاً من تفاصيل المشهدين المفتوحين على المتناقضات إلى أبعد مدى يفصل بين الظلام والنور، وفي لقاء مع “البعث” يؤكد الفنان سركو أن ما حصل في هذه الحرب الظالمة فاق المعقول بما حملته من خيبات صادمة في البداية أثّرت عميقاً في نفسي وقلبي وعقلي، لأن المشهد الأجمل الذي أعشق وأحب، والملاذ الأرحب الذي أجد سعادتي واستقراري فيه، قد تعرّض للتشويه والتخريب من أعداء الحضارة والإنسانية، ولكن، رغم كل ما حصل، لم يفارقني الشعور بالأمل بأن قيم الخير والحق والجمال هي الأقوى والأبقى، وأن قريتي كما غيرها في كل بقعة من أرض الوطن ستنفض عنها غبار الإرهاب، وفعلاً نهضت قريتي من جديد على إيقاع الانتصارات التي يخطّها الوطن في شمس كل يوم.
وأضاف: عندما تحرّك الجيش العربي السوري باتجاه الريف الشمالي شعرنا بفرح غامر، خاصة عندما كنا نتلقى أخبار تقدّمه وتحريره للمزيد من القرى المحتلة، وأتذكر أنني سمعت نبأ تحرير الجيش لقرية القصب التي تطل على قرانا فتأكدت حينها أن القرية ستعود خلال أيام، وفعلاً تحررت بفضل تضحيات جيشنا ودماء شهدائه، وقد عدنا إلى القرية بشكل جماعي عبر قافلة كبيرة كانت ترفع العلم السوري، والبسمة على وجوه الجميع، ويؤكد سركو أن ما جرى كان كفيلاً بأن يُحدث تحولاً في التعبير الفني لديه، لأن الواقعية باتت تفرض نفسها لتصوير ما حصل، وتجسيد هذا الحدث بمجرياته ومشاهده وتجلياته بأسلوب تعبيري واقعي، ويتابع: ربما أجد نفسي أمام إعادة نظر في الأولويات التعبيرية، حيث أصبحت التعبيرية أولوية عندي أكثر من غيرها لأجسد مشاهد مؤثرة كالبسمة التي ارتسمت على الوجوه فرحاً بالعودة إلى القرية بعد أن كانت الوجوه حزينة، وهذه الوجوه التي استعادت حالتها الطبيعية المألوفة جديرة بأن أرسمها لأنها وجوه تعجّ وتضجّ بالحياة والسعادة والحيوية والأمل.
ومع هذا التحوّل الحالم الذي يرنو إليه سركو، إلا أنه لا يخفي أن الوصول إليه ليس أمراً سهلاً وبسيطاً، فيقول: أعتزم التحوّل نحو الواقعية، وأدرك أن هناك الكثير مما يجب أن أشتغل عليه لأنني أمضيت فترة طويلة من تجربتي الفنية في مشروع التراث الأوغاريتي، وها أنا اليوم أحاول نقل مشروعي إلى الواقعية انطلاقاً من حتمية وأولوية تكريس الاهتمام بقضايا بلدنا أكثر، وهذا واجب على الفنان، وهناك مداخل إلى هذا الموضوع سأعمل عليها للوصول إلى التحوّل الذي أنشده، فكيف يمكن لي أن أصوّر قصة الشاعر طلال سليم، وما تعرّضت له أسرته من مأساة إنسانية بشعة على يد الإرهابيين؟ وكيف لي أن أرسم ملامح وجه تلك الفتاة بعد التحرر من الأسر، إلا من خلال التعبيرية الواقعية، وقد أوحى لي هذا المشهد وغيره والكثير من الوجوه التي نُكبت هناك حالات تعبيرية معيّنة جديرة بأن أرسمها.