“الإقامات الذهبية”.. ومصير هوية الدراما السورية
حوّلت الميديا ورأس المال الفنانين السوريين والفنانات تحديداً من حملة رسالة فنية وحضارية إلى موديلات للتصوير وعارضات أزياء للجذب السياحي، والترويج التجاري في بلدان الخليج العربي النفطي.
الفنانات اللواتي حصلن على إقامة ذهبية في الإمارات واحتفين بها واللواتي يتهافتن للحصول عليها، ماذا سيقدمن من شخصيات درامية وبأي هوية سيعملن بعد هذا الانسلاخ الكلي والاغتراب عن الواقع؟، وهل نستطيع تسمية الدراما التي تقوم على كاهل هؤلاء دراما سورية، وكيف لفنان مغترب عن واقع وطنه وشعبه أن ينجح في حمل رسالته والتعبير عن واقعه معايشة وتجسيداً بأحاسيس صادقة ومحاكاة مقنعة؟، هل عن طريق ما يرى ويسمع من وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام الخليجية المتمثلة في فضائيات الجزيرة وأم بي سي، وسكاي نيوز، والعربية وغيرها سيمثل واقع وطنه، وتطور ثقافة شعبه وأنماط حياته؟ أسئلة كثيرة يثيرها واقع الفنان السوري، الذي يتهافت لمغادرة البلاد هذه الأيام، ويتسابق مع أقرانه إلى الانسلاخ عن جلده، وارتداء جلد جديد مختلف كلياً عن ذلك الأصيل، وانعكاسه السلبي على صناعة الدراما.
إنه لشيء محزن ومؤسف أن يتلهف الفنان السوري للحصول على إقامة في دول الخليج، ويبث عواطفه وتضامنه مع أهل بلده عبر وسائل التواصل الاجتماعي وهو يجلس في منتجعات وفنادق الدرجة الأولى على شاطئ الخليج والواحات الصحراوية، هذا ما تطالعنا به يومياً وسائل التواصل الاجتماعي صوراً لفنانات سوريات في دول الخليج يتسابقن على إبراز مفاتنهن مستسلمات لشركات الدعاية والترويج السياحي غير مكترثات برسالة الفن الخلاّقة ومستقبلهن المهني والإبداعي.
أغلب الفنانين اليوم يعلقون مشكلات الدراما السورية الحالية، وبالتالي مشكلاتهم ومشكلات مصدر رزقهم، على مشجب الحرب والأزمة التي عجلت في اغترابهم وأطفأت بريق الحيوية والإبداع الذي كان للأمس القريب شعلة يتنافسون في إضاءتها ضمن أي عمل يشاركون فيه وإبراز كامل طاقاتهم الإبداعية في معايشة الدور ومحاكاة ملامحه الفنية والبنيوية.
إغواء رأس المال حوّلهم اليوم إلى مانيكانات أزياء، وموديلات تصوير وفتيان للتباهي بالوسامة وتصفيف الشعر وشكل الوشم أو إلى جسر تخرج من خلاله الدراما العربية نحو فضاء أوسع من محليتها، وخاصة الذين يستجدون دوراً في مسلسل لبناني أو مصري أو خليجي أمام بطلة لا تملك سوى وسامتها ومفاتنها للتباهي بها حالها كحال دمية متحركة، ثم يأمل ويترقب أن تتحدث عنه وسائل الإعلام وتستضيفه برامج المنوعات من هنا وهناك!!.
إلى أين نمضي؟ طالما الكاتب والفنان والصناعي يحجز تذكرة سفر خارج البلاد، لمن ستترك مهمة إعادة البناء والنهوض من جديد من بين الرماد بنهضة فنية ثقافية تنفض غبار الأزمة، وتزيل ركام الخراب، كم من السنوات تستغرق عملية تنشئة جيل آخر يتابع المشوار ويؤسّس على ما انتهى إليه أسلافه، كما فعل السابقون؟.
صحيح أن الظروف الإنتاجية والمعيشية في البلد صعبة جداً، لكن ما حققته الدراما السورية بجهد وتعب ومثابرة جيل مبهر من المخرجين والكتّاب والممثلين، يستحق التضحية من أجله، وعدم التفريط فيه، ورميه لينتهي إلى ذكريات لأعمال لا تنسى.
الفنان الذي لمع نجمه وسطع اسمه في عالم الفن العربي، بفضل تراكم جهود جماعية مضنية، سوف يُستثمر ويُستغل إلى حين أن يخفت بريقه، ويفقد رونقه، عندها سيهمل ويتلاشى كسحابة دخان في هواء أو فقاعة صابون تختفي دون أثر، لكن المجد والاستمرارية والخلود تأتي من خلال مواصلة الإبداع والحفر في تربة فنية صلبة لا تمحوها الظروف والعوامل العابرة مهما كانت عاتية ومؤثرة.
ما يقوم به عدد من الفنانين والفنانات تحديداً هو جحود وجريمة ترتكب بحق الدراما السورية والوطن، ولا مسوغ يبرّر الإيغال فيها، وتشويه البصمة التي تركتها درامانا ورسمت شكل هويتها بعلاماتها الفارقة، تحت أي مسمّى!.
آصف إبراهيم