ممدوح عدوان فهم التراث والواقع معاً
رحل تاركاً وراءه رصيداً كبيراً من الأعمال وحياة عاشها كما يحلو له، سمتها المشاكسة والاختلاف لينطبق عليه ما قيل عن المتنبي “مالئ الدنيا وشاغل الناس”، لذلك يظل أي حديث عنه قاصراً عن الإلمام بما قدّمه من أعمال كثيرة كشاعر وروائي ومترجم وصحفي. من هنا كان الحديث عنه في الندوة التي أقيمت مؤخراً في اتحاد الكتّاب العرب– فرع دمشق بإدارة الأديب صبحي سعيد مقتصراً على شعره وتناوله للتراث في الشعر والمسرح من خلال مشاركة الشاعر د. نزار بريك هنيدي ود. غسان غنيم، إلى جانب مشاركة خاصة للإعلامي ديب علي حسن.
ممدوح عدوان شاعراً
بيّن الشاعر نزار بريك هنيدي في مداخلته أن ممدوح عدوان عاش حياته كلها في قلب المشهد الثقافي العربي، مثيراً حوله الضجيج في كل خطوة لأنه لم يكن في يوم من الأيام رقماً حيادياً، مشيراً إلى أن للشعر وظيفة واحدة هي الدفاع عن إنسانية الإنسان، وهذا ما أعلن عنه عدوان في مقدمته التي وضعها لمجموعته الشعرية الأولى “الظل الأخضر” التي صدرت عام 1963: “إن الشاعر أو الفنان الحقيقي هو الذي يغوص للقرار ليصبح هو الجذر الحقيقي للإنسان ليصل إلى المكان الذي يستطيع منه رؤية كل شيء”، والشعر كما بيّن عدوان في مقدمته لمجموعة “لا بد من التفاصيل” الصادرة عام 1998: “يتقدم شاهداً جريئاً يقول الحقيقة كلها فيضعها أمامه بتشوهاتها وندوبها وبما كانت عليه وما أصبحت ويجبره على التحديق إليها” هكذا فهِم الشعر ودور الشاعر.
طفل حقيقي
ولأن أبلغ تعبير عن الانحياز إلى الحياة يكون في تمجيد الطفولة -برأي بريك هنيدي- عاش عدوان عالمها وتبنى صفاء نظرتها ودهشتها في عدد من قصائده، ولاسيما التي أُدرِجت تحت عنوان “محاولات الاقتراب من الطفولة” في مجموعته “وهذا أنا أيضاً” وبشكل خاص تلك القصيدة التي حملت عنوان “أقمار زياد الصغيرة”، إذ أكد بريك هنيدي أنها قصيدة فريدة في شعرنا العربي الحديث لأنها ليست قصيدة عن الطفولة، بل هي قصيدة تقول الطفولة بشكل لا يمكن أن يصدر إلا عن طفل حقيقي يعيشُ في أعماق المشاعر: “وكنتً مشتاقاً إلى القمرِ، رسمته في دفتري، في الليل لم يأتِ القمر”!.
وعن مظاهر الحداثة في شعر ممدوح عدوان أشار بريك هنيدي إلى لغة عدوان التي يقترب فيها كثيراً من لغة الناس الحية، وجرأته في استخدام الكثير من الألفاظ والتعابير الشعبية في نسيج قصيدته وصولاً إلى استخدامه للكثير من التقنيات الحديثة كتقنية القناع والتضمين والتناص وغيرها.
التراث في إبداع عدوان
وأكد د. غسان غنيم أن طيف فضاء الثقافة لدى عدوان واسع جداً، فمن يُبحر في إبداعاته يُعجب كل العجب من اتساع هذا الطيف وعمقه، وقدرة عدوان على توظيفه في خدمة فنياته عموماً وخدمة قراءة الواقع قراءةً تُبهر المتلقي من حيثُ القدرة على التوظيف والعمق في فهم التراث والواقع معاً في إبداعه الشعري والمسرحي وغيرهما، حيث يتبدى التراث لديه في الشعر حضوراً وتناصاً وتوظيفاً يخدم فنيته وجمالياته كما يخدم المتلقي الذي يشعر بلذة الاكتشاف وبراعة التوظيف للتراث، سواء أكان دينياً أم تاريخياً. أما في مسرحه فقد أمعن عدوان -برأي غنيم- في الحفر في التراث العربي شعراً وتاريخاً وشخصيات ومواقف وأحداثاً تقنية الأبعاد الزمانية والمكانية، وهي تقنية تقوم على خلق واقع فني ومسرحي بديل عن الواقع الراهن يبتعد عنه من حيث الزمان والمكان، ولكنه غير بعيد من حيث الدلالة، فما إن يرى المتلقي الواقع المعروض “الواقع الفني” في نصوصه المسرحية حتى يفهم بأن ما يراه ليس إلا واقعه هو حيث يتداخل زمن المسرحية والزمن الفني مع الزمن الواقعي المُعاش، مشيراً إلى أن كون الإبعاد الزماني والمكاني تقنية فنية في توظيف التراث، وقد لجأ عدوان في مسرحيته “ليل العبيد” إلى تقنية الإبعاد الزماني والمكاني المحدّد، وقد فعل عدوان الفعل نفسه في مسرحيته “كيف تركت السيف” وفي مسرحية “محاكمة الرجل الذي لم يُحارِب” حيث لجأ إلى التقنية ذاتها متوسلاً حادثة دخول المغول إلى الوطن العربي ليذكّر بأسباب نكسة حزيران بشكل غير مباشر، وهو في هذه المسرحية لم يستعد التاريخ بل أيقظ الوعي بالحاضر أيضاً.
وأوضح غنيم أن الإبعاد غير المحدّد لا يُحدّد فيه الزمان والمكان بشكل واضح ويعتمد على خلق واقع متخيَّل يُعادل الواقع الراهن الذي يريد الكاتب أن يرصده ويعالجه، وفي هذه الحالة يكتسب الكاتب حرية أكبر مما يكتسبه في الإبعاد المحدّد حيث لا يُمارس التاريخي ضغطه بوثائقه وشخصياته وأحداثه ولا يضطر الكاتب إلى الهروب من مواجهة بعض الأحداث التي تحرجه لعلاقتها بالحاضر، بل ينطلق حراً حسب رؤيته للواقع الراهن، وقد قام عدوان باستخدام هذه التقنية في مسرحية “حكايا الملوك” التي استلهم فيها أجواء ألف ليلة وليلة ليقدّم رؤيته للواقع على طريقة كان ياما كان.
كتلة من المتناقضات
أما الإعلامي ديب علي حسن، أمين تحرير الشؤون الثقافية في جريدة الثورة، فقد عاد في مداخلته إلى حوارات كان قد أجراها ممدوح عدوان مع عدد من الصحف، مشيراً إلى أهم العناوين التي تصدّرت هذه الحوارات على لسان عدوان مثل قوله: “عندما اكتشفتُ أن الشعر لا يغيّر العالم كتبتُ ذاتي “تشرين 2004″، معاركي لا تنتهي وحُسّادي كثيرون، يغتاظون حتى عندما أشتم “السياسة 1998″، الفنان دائماً يعيش أزمة حرية والأجهزة تساهم في خنق الإبداع الحقيقي “السياسة 1998″، كنّا جيلاً بلا آباء واليوم نحن جيل بلا أبناء، يخطئون في القواعد والإملاء بحجة أنهم يفجرون اللغة، الكتابة الوظيفية صفقة بين الكاتب والصحيفة، الشعر للمترفين والمصيبة أنهم لا يقرؤون، لن أتوقف عن الكتابة حتى لا أموت “البعث 2003″، مؤكداً أن عدوان ما كان أن يكون إلا كتلة من المتناقضات التي شكلت شخصيته والتي كانت تعجب هذا ولا تعجب ذاك، ورأى حسن أنه علينا أن نفكّك شخصية عدوان من خلال منهجه الذي استخدمه في تفكيك شخصية الزير سالم، وذلك بالعمل على تتبع ملامح الشخصية وتاريخها وليس من خلال ما نعرفه عنها بل بالبحث عما وراء الأكمة، وهذا منهج في قراءة التاريخ عمل وفقه عدوان في “الزير سالم”.
أمينة عباس