الشعر كضرورة وخلاص
“البعث الأسبوعية” ــ سلوى عباس
تباينت الآراء في الأمسية الأدبية التي تناولت الشعر كضرورة وحامل للوهج الإبداعي، فهناك من رأى في الشاعر حالة خلاص أو نبي يؤمن أن الشعر قادر على تغيير وجه التاريخ وتخليص البشرية من هزائمها، وهناك من رأى أنه لم يكن في يوم من الأيام من مهمة الشعر أن يغير وجه التاريخ، لأن الفن دائماً يريد أن يوقظ الإنسان على إنسانيته الأعمق، وعندما ينصرف الناس إلى أجهزة الكمبيوتر وعالم الانترنت، فالشاعر هو الذي يعيد إليهم إحساسهم ويعرّي الإنسان قليلاً من عنجهيته واعتداده بما أنجز المشروع التقني من تقدم علمي. لكن ما هو أصعب في الإنجاز أن يبقى رغم كل هذا التقدم محافظاً على علاقته بنبتة صغيرة على ضفة نهر، فالشعر يذّكر الإنسان أنه كان في بدائيته يغني فيعود الصدى إليه فيظن أن العالم يغني معه، ولكن كيف فقد هذا؟ هنا يأتي دور الشعر في أن يوقظ الإنسان على إنسانيته، ويجب على الشعر أن يبقى حاملاً لهذه الرؤية حتى لو كانت وهماً، فالمهمة الحقيقية للشعر أن يستمر بتبشيرنا بالقدرة على الخلاص، وعلى التجدد والولادة الجديدة؛ ولا شك أن هذه تبقى وظيفة الشعر في كل زمان ومكان، والذي يختلف أحياناً هو طريقة حمل القصيدة لهذه الوظيفة، فهناك أشكال لانهائية يمكن أن يبتدعها الشعر من أجل حمل هذه الرؤية للمتلقين أو القراء، وضمن هذه الأشكال قد يتم توظيف إنجازات جمالية قديمة ومعروفة في إطار جديد من خلال التفاعل مع مجموعة من الرؤى والمعطيات الجمالية الجديدة لإنجاز عمل فني جديد..
وعمّا إذا كان في زمننا هذا من جديد يمكن أن يقوله الشعر ولم يقله إلى الآن، تحدث أحد المنتدين أنه ما زال الكثير أمام الشعر ليقوله، لأن الشعر ملازم للوجود البشري، وهذا الوجود يطرح أسئلة جديدة باستمرار، وعلى الشعر أن يستبق هذه الأسئلة دائماً، وأن يفتح لنفسه وللإنسان أيضاً آفاقاً جديدة للتساؤل والدهشة واكتشاف جمال الحياة من حوله.. هذا على الصعيد العام، وحتى على الصعيد الشخصي هناك إشكالية يعرفها كل من جرب كتابة الشعر، تتعلق بطبيعة ما يمكن أن نسميه حاجز اللغة، فالقصيدة التي تكون مرسومة في ذهن الشاعر هي غير القصيدة التي نراها على الورق، فلا يمكن لهذه اللغة بالمواصفات التي ورثناها من غيرنا أن تكون قادرة على نقل أحاسيس ورؤى الشاعر بشكل حقيقي، وتجسيدها في هذه الكلمات، فهناك دائماً شيء ناقص في عملية تحويل القصيدة من شعور وحس ورؤية إلى كلمات موصوفة أو منطوقة أو مكتوبة، وهذا الشيء الناقص أو الضائع يمثل قدراً كبيراً من الشعرية التي تبقى ناقصة باستمرار، والذي سيبقى هدف الفن الشعري برمته أن يصل إلى تحقيقه.. ولذلك الشعر الصافي والكامل هو حلم وهدف ومبتغى كل شاعر، ولكنه الهدف والمبتغى والأمنية التي يعرف الشاعر سلفاً أنه لايمكن تحقيقها.
وانطلاقاً مما طُرح من أفكار وآراء حول الشعر، كان هناك شبه اتفاق بين المنتدين والمهتمين بالشعر على أنه ما زال يحمل الوهج ويمثل الضرورة الأهم التي لابد منها والتي تخفف عنا وطأة الحياة بكل تناقضاتها ومفارقاتها، وكلما ازدادت قسوة الحياة وفوضاها كلما تنامى الإحساس بوجود الشعر وضرورته عبر أشخاص متباعدين في أماكن مختلفة لا يعرفون بعضهم لكن تجمعهم محبتهم للشعر وتعاطيهم له وحفظه وقراءته، وهناك أيضاً تلك التجليات الروحية التي يبثها فينا الشعر والتي تجعلنا نرى جماليات الأشياء على غير ما يراها الآخرون الذين حرموا من متعة الشعر والحياة معاً، ولابد للإنسان من الشعر الذي ينقذه من فوضى حياته وتشتتها، فقد يمر الشعر في أزمة ويكاد أن يموت لكنه لا يموت ويستمر وهذا الأمر موجود منذ بداية البشرية وإلى يومنا هذا، ففي كل عصر كان هناك شعراء يشكون من عدم وجود قراء للشعر، وفي هذه الأوقات العصيبة نرى الكتاب الشعري في أزمة وأنه لا يباع وأن القصيدة الحقيقية لا تنشر، لكن الشعر لا يموت وتبقى له الضرورة.