“تحية إلى أسمهان” بصوت وعد البحري ومرافقة الفرقة الوطنية السورية
“ليالي الأنس في سورية”، هكذا غنّت وعد البحري على مسرح الأوبرا بمرافقة الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية بقيادة المايسترو عدنان فتح الله، في حفل “تحية إلى أسمهان”، فأذهلت الجمهور النخبوي بأدائها المتقن لأجمل أغنيات أيقونة الغناء العربي أسمهان، التي بُنيت على الإيقاعات المتنوعة والمقامات الصعبة والألحان المركبة، وسبقت الجميع بالغناء الأوبرالي وتقطيع درجات الصوت، وزاد من جمالية صوت البحري خاصية التوزيع الأوركسترالي وتنوع الآلات بالصولوهات الصغيرة والفواصل.
“تحية إلى أسمهان” أعادت إلى الذاكرة الزمن الجميل والصوت الخالد، وكان للخلفية السينمائية دور بالربط بين صور أسمهان من أفلامها وأغنياتها ومسيرة حياتها وبين صوت وعد البحري، التي اتخذت من أسمهان محوراً أساسياً لمسارها الفني، فغنّت أغنياتها في دور الأوبرا في القاهرة وعُمان والمغرب وغيرها وشاركت في مهرجانات دولية.
تنوّع برنامج الحفل بين أنماط وقوالب موسيقية مختلفة غنّتها أسمهان لكبار الملحنين محمد عبد الوهاب ومحمد القصبجي ومدحت عاصم والموسيقار فريد الأطرش. فبدأت بالأغنية الشهيرة ذات الإيقاعات المتلاحقة “ياحبيبي تعال الحقني” -كلمات أحمد جلال، ألحان مدحت عاصم، إعداد وتدوين جورج موسى- وتميزت بألحانها الجميلة والتناغم بين الإيقاعات والبيانو- العازف إياد جناوي. وسبُقت أغنية أهوى -كلمات مأمون الشناوي وألحان فريد الأطرش وإعداد وتدوين جورج موسى- بموال “أوف يابا” بمرافقة الكمان ثم توليفة الفرقة ودور القانون بالألحان.
عادت الألحان المرحة مع البيانو والأغنية القريبة من القلوب “إيمتى ح تعرف” كلمات مأمون الشناوي، ألحان محمد القصبجي، إعداد وتدوين جورج موسى.
أما أغنية “دخلت مرة في جنينة” كلمات عبد العزيز سلام، ألحان مدحت عاصم، إعداد وتدوين جورج موسى وسيزار برشيني، فغنّتها البحري على شكل سردية غنائية موحية بمشهدية تخيليّة، أنصت فيها الجمهور إلى تبدلات صوتها المتناغم على وقع وتأثير ضربات التيمباني “العازف علي أحمد”، واتخذ صوتها الدور الأول مع البيانو وفواصل الوتريات فسردت بجمالية قصة الحب والنهاية الحزينة الرمزية للبلبل.
كما غنت البحري رائعة أسمهان “ياطيور” كلمات يوسف بدروس، وألحان محمد القصبجي، إعداد وتدوين جورج موسى، بمساحة صوتها الواسعة التي وظّفتها بالتقطيع الأوبرالي فضجّ المسرح بالتصفيق إعجاباً بأدائها مع الفرقة. وغنّت”محلاها عيشة الفلاح” و”نويت أداري آلامي” بدور الأكورديون والغيتار، واختُتم الحفل بـ”يلي هواك شاغل بالي” كلمات أحمد رامي، ألحان فريد الأطرش، إعداد وتدوين جورج موسى مع صولو الناي، وتحية إلى سورية “ليالي الأنس في فيينا” بإيقاع موسيقاها الخاص مع صولو العود وفاصل الأكورديون.
مثلث برمودا
في حديثها لـ”البعث” أوضحت البحري أنها تربّت على صوت أسمهان منذ طفولتها، وتشترك معها بالجغرافيا، فهي من السويداء مدينة أسمهان، المدينة الجبلية ذات الحجر الأسود التي تعطي الحب للإنسان. وأضافت: بالتأكيد التقارب المكاني منحني التقارب الروحي معها، فأسمهان توفيت جسدياً لكنها بقيت خالدة في السويداء وسورية والوطن العربي ورافقت العرب المغتربين، أسمهان كانت إنسانة عظيمة بكل صفاتها وبكل مناحي الحياة، إنسانة حرة من الداخل لأن الصوت الجميل لا يقبل القيود لذلك سافرت إلى بلدان عدة، وتميّزت بغنائها كل المقامات وأنماط وقوالب الموسيقا، وطارت بصوتها حتى وصلت إلى الغرب والغناء الأوبرالي. ويعدّ صوتها من أجمل الأصوات على مرّ التاريخ، وأنا أعتبرها مثلث برمودا، لأنها كانت خلاصة حقبة زمنية حافلة بالثراء الفني والموسيقي.
وعن تفاعل الجمهور السوري معها قالت البحري: برأيي الجمهور السوري هو أجمل وأهم جمهور في العالم، منحني طاقة جديدة وجعلني أشعر أن الحياة والفن مازالا بخير، لأنه يحب الطرب الأصيل وينصت للصوت ولا يقبل إلا الصوت النوعي بمستوى عالٍ، وسورية بلد الموسيقا تستحق كل الحب والتقدير لكل ما قدمته في سنوات الحرب، ونحن الآن بحاجة إلى نشر الإيجابية والسعادة كي نتمرد على اليأس، فهذا مبدئي بالحياة.
البحري والتراث السوري
وفي منحى آخر تشتغل البحري على مشروعها الخاص، فأصدرت ألبومين في مصر باللهجة المصرية، الأول “أغير حياتي” نجحت منه أغنية “تجربة” جماهيرياً ألحان محمد ضياء وكلمات ناصر الجيل، والألبوم الثاني كان “فرحتي بيك” وأشعر أنه لم يحقق النجاح الذي حققه الألبوم الأول لانتشار جائحة كورونا والحجر والصعوبات التي واجهناها. وحالياً سأقدم أنماطاً جديدة من الموسيقا من التراث السوري والدبكات ومن تراث السويداء، إذ غنيت سابقاً لداود رضوان، إضافة إلى أغنيات جديدة باللهجة المصرية والخليجية تضاف إلى أغنياتي السابقة مثل “أنام شلون، وأنا تخيلتك كثير”.
ملده شويكاني