“التحولات الكبرى في الرواية” ونظرية البدايات
تظلّ الإجابة عن سؤال كيف نشأت الرواية مفتوحة على احتمالات كثيرة جداً كلما أوغلنا في الزمن الغابر، حيث يلعب الخيال التفسيري بحرية أكبر، وكل احتمال يعزّز نفسه بظواهر إنسانية متأصلة في النفس، كما يعزّز نفسه بالظواهر التاريخية التي تؤيده، وقد يستنتج المطلع على هذه الإجابات أن الرواية كانت موجودة في كل شيء، في الطبيعة الإنسانية، في القاع العميق منها مثلما توجد خارج الطبيعة الإنسانية، في الحروب وفي الأسمار وقرب المهود وبعد الـصيد وفي التاريخ، بل قد تنبع من الأمكنة الغريبة والكهوف المخيفة.
ولكن إذا كان سؤال كيف نشأت الرواية؟ لا يطرح على الرواية القديمة، فإن ثمة الكثير من الأسئلة تطرح على هذا الفن الذي أخذت أهميته تتعاظم، من هذه الأسئلة: هل تمثل الروايات الملحمية البدايات الأولى للفن الروائي، كما يرى الناقد حنا عبود في محاضرته الارتجالية التي ألقاها في اتحاد الكتّاب العرب فرع حمص أمس تحت عنوان “التحولات الكبرى في الرواية” وعاد فيها إلى عصور موغلة في القدم ليقسم فيها مراحل تطور الرواية حسب تأثير الثورات الثلاث التي مرّت على التاريخ البشري وهي ثورة الزراعة، وثورة الصناعة، وثورة المعلوماتية. وفيها يخالف عبود الرأي القائل إن الرواية بدأت مع الاحتفالات الدينية، حيث تموت آلهة الخصب في الخريف فتقوم الهياكل بطقوس حزينة كنوع من التراجيديا، سواء أكان مسرحاً أم شعراً أو رواية، وفي الربيع مع عودة آلهة الخصب إلى الحياة من جديد تقام طقوس تناسب المرحلة، لكن قبل الطقوس الدينية كان هناك الصيد وجني الثمار، ومع عودة الصيادين تقام الاحتفالات، يروي فيها الصيادون حكايات عن مغامراتهم مليئة بالتشويق والإثارة والدراما، الأمر الذي يجعلنا نعيد النظر بقضية تطور الأدب وتشعبه كما جاء بها أرسطو وهيغل، فالزراعة والرحلات أنتجت الكثير من الملاحم كالإلياذة والأوديسة والإنيادة وغيرها من الملاحم التي كانت عبارة عن رحلات برية أو بحرية.
ومن مراحل تطور الرواية يشير عبود إلى الأدب السكندري نسبة إلى الاسكندر المكدوني الذي يعدّ أعظم قائد عرفه التاريخ الذي وحّد العالم، وهناك قصص الحب في القسم الثاني من القرون الوسطى، وأكبر مثال على ذلك رواية اوكسا وبنكوليت المجهولة الكاتب، وأدب الفروسية الذي ظهر في أواخر القرون الوسطى. ثم جاءت فيما بعد الحركة الرومانسية كردّ فعل على الثورة الصناعية التي أحدثت صدمة في الأدب وظهرت معها الرمزية والمستقبلية، لتأتي الرومانسية كردة فعل معاكسة على الصناعة.
ثورة المعلوماتية غيّرت العالم وراح كتّابها يبحثون في أسرار الكون ومنها “شيفرة دافنشي” و”العصر القادم” وروايات الخيال العلمي.
وفي النهاية يؤكد عبود على عدم وجود أدب مستقل بذاته، والنوع الذي يكون له ثبات في الذاكرة عليه أن يكون درامياً مهما كان نوعه.
“التحولات الكبرى في الرواية” محاضرة تنطوي على أفكار قيمة، لكنها تفتقد الربط والتسلسل والتفصيل، نتيجة عدم الإعداد المسبق للخطوط العريضة التي يجب أن تسير وفقها، فقد سادها التكرار، والخلط بين الأفكار، وعدم الالتزام بالتسلسل الزمني ليأتي العنوان في النهاية فضفاضاً على السياق الذي كان دون المستوى المأمول من ناقد مهمّ له مؤلفات كثيرة في النقد والفكر الفلسفي وعضو جمعية النقد في اتحاد الكتّاب العرب.
آصف إبراهيم