رأي الوزير في جدوى معمل العصير
تتالت الطروحات خلال السنوات الماضية، حول ضرورة إقامة معمل للعصائر في الساحل السوري، لغاية استيعاب فائض الإنتاج من الحمضيات المتعدّدة الأنواع، وسبق أن استقر الرأي على ضرورته وجدواه، وتعدّدت الآراء حول أفضلية المكان الذي سيقام فيه، ولكن الطروحات والتصورات لم تحظَ باعتمادات توصلها لمرحلة التحضير للتنفيذ، بل بقيت الفكرة طيّ التغطية عليها والتمويه على كل ما يتعلق بها، مع استمرارية طرحها بين حين وآخر، والتأكيد على ضرورتها وجدواها من مئات المهتمين بالشأن العام، وقبل أسابيع ورد في الإعلام الخبر الذي يقول: أكد وزير الصناعة زياد صباغ، عدم وجود جدوى اقتصادية من إقامة معمل العصائر الحكومي، مبرراً الأمر بأن “أغلب إنتاج الحمضيات في الساحل لا يصلح للعصر، وهو للمائدة فقط”، وقد جاء كلام الوزير خلال اللقاء الحكومي مع أعضاء المجلس المركزي لـ”الاتحاد العام لنقابات العمال”.
عفواً سيادة الوزير، إن معظم إنتاج الساحل السوري من الحمضيات يصلح للعصير، فساكن الدار أدرى بالذي فيه، وكمية الإنتاج الكبيرة التي تجاوزت المليون طن في أكثر من عام تشجّع على إقامة هذا المعمل، فهذه الكمية تفوق كثيراً حاجة السوق للاستهلاك المحلي، وعن كمية التصدير الممكنة، وفي أكثر من عام تسبّب فائض الإنتاج بتوقُّف المزارعين عن جني المحصول، لأن سعر السوق لم يغطِّ تكاليف جنيه، وارتفاع سعره المميّز في العام الماضي يعود لانخفاض متوسط كمية إنتاج الشجرة خلافاً للأعوام السابقة، ويعود أيضاً لانخفاض أعداد الأشجار المثمرة، نظراً لقيام أعداد كبيرة من المزارعين بقطع أشجارهم وبيعها حطباً أو إهمال سقايتها وتقليمها، بسبب انخفاض سعر المحصول قياساً بالكلفة، وأدعو الوزير لزيارة الساحل السوري /برفقة وزير الزراعة/ ليرى بأم عينيه مئات الحقول التي تمّ قطع كامل أشجارها خلال السنوات الخمس المنصرمة، ومئات الحقول المهملة قصداً والمعرضة لليباس، تمهيداً لقطعها، نظراً لانخفاض حصيلة مردودية إنتاجها، ومن الملاحظ أيضاً انخفاض كميات الغراس الجديدة من أنواع الحمضيات كل عام، قياساً بالتزايد الكبير الذي كان مشهوداً خلال الأعوام السابقة.
هل غاب عن ذهن الوزير أن إنتاج العنب في محافظتي السويداء وحمص قضى قبل عشرات السنين بإقامة معمل الريان الحكومي لتقطير العنب في السويداء ومعمل الميماس الحكومي لتقطير العنب في حمص، عدا عن آلاف المعامل الصغيرة الأخرى، وأيضاً سبق أن تمّ إقامة معامل عديدة حكومية وخاصة لتصنيع مادة عصير البندورة في محافظة درعا المتميزة بإنتاج هذه المادة، وأيضاً إقامة العديد من المعامل لإنتاج مربى المشمش وقمر الدين المجفف في مناطق ريف محافظة دمشق، علماً أن كمية إنتاج كلّ من البندورة والعنب والمشمش لم تقارب كمية إنتاج الحمضيات.
ينبغي ألا يغيب عن أعين الرقيب وأولي الأمر أخطاء السياسات الزراعية المتراكمة لسنوات والتي أسفرت عن الانخفاض الكبير في إنتاج القطن بعد أن قارب إنتاجه المليون طن، وأيضاً انخفاض إنتاج القمح بعد أن قارب إنتاجه الخمسة ملايين طن، والخوف من الانخفاض المتتالي في إنتاج الحمضيات بعد أن تجاوز إنتاجه المليون طن.
هل غاب عن أعين الوزير حاجة السوق المحلية الواسعة لمادة العصير الطبيعي المطلوب توفره من إنتاجنا المحلي، كي يكون بديلاً عن الكميات الكبيرة المستوردة من العصير الصناعي /السائل أو المجفف/ الذي يملأ السوق، وبديلاً عن المياه الغازية بأنواعها والمجمع على مضارها، ولا يخفى على أحد المخاطر الصحية للمنكهات والمواد الملونة المستخدمة في العصائر المصنّعة والمياه الغازية، وبالتالي أليس من الأفضل يا سيادة الوزير أن يكون العصير الطبيعي من فواكهنا هو الأكثر إنتاجاً ورواجاً في بلدنا لغاية الاستهلاك المحلي بل وللتصدير الخارجي أيضاً؟.
عذراً سيادة الوزير إن الجدوى القائمة من إنشاء معمل العصائر من الحمضيات في الساحل السوري متحققة فعلاً، بل إن الحاجة ماسة لأكثر من معمل للحفاظ على الإنتاج الكبير الموجود لما فيه مصلحة المزارعين المنتجين، ولتمكين عامة المستهلكين من الحصول على الشراب الطبيعي الصحي المغذي والمفيد لما فيه مصلحتهم الصحية، والارتفاع المتتابع لأسعار العصائر الصناعية والمياه الغازية سيدفعهم للعزوف عنها، ما سيؤدي لتوفير القطع الأجنبي المخصّص لاستيرادها، حال وجود العصير الطبيعي المحلي بأسعار موازية لها.
عبد اللطيف عباس شعبان/ عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية