صناعيون يبحثون عن فسحة من المرونة داخل القرارات غير المجدية
يثير تعدد معارض الألبسة الجاهزة العديد من التساؤلات حول واقع هذه الصناعة، خاصة أن الأسواق المحلية لا تحمل أية مؤشرات إيجابية من حيث الجودة والموديلات والأقمشة والكميات المطروحة، أو حتى الأسعار ومقارنتها بما سبق، علماً أن صناعة الألبسة استمرت في عملها طيلة فترة الحرب ولم تتوقف، ومارست نشاطها في الأقبية متحدية الظروف الأمنية الصعبة، ومع ذلك لا تبدو الآن بحال جيدة لأنها فقدت الكثير من عوامل الصناعة، أهمها الكهرباء، ومعظم المستوردات الأولية المتعلقة بها كالأقمشة، والاكسسوارات، وغيرها، ما أثر بشكل كبير على عمليات الإنتاج والنوعية، وبحسب العديد من الصناعيين فإن معظم القرارات التي صدرت بشأن الصناعيين لم يكن لها انعكاس جيد على الصناعة، خاصة فيما يتعلق بالتمويل والاستيراد، وحتى بعمليات التصدير التي لم تنجح إلى الآن رغم المحاولات الكثيرة لعمليات الترويج والتسويق، كما لم تعد المنافسة مع دول الجوار عادلة مع مقارنتها بأسعار منتجات دول عديدة كمصر والصين وغيرهما، ويتم تقديم منتج أفضل بسعر أقل، ما يسبب تقليص فرص التصدير، وفتح أسواق عربية.
معوقات مختلفة
تعد الصناعات النسيجية إحدى دعائم القطاع الصناعي، حيث كانت سورية من بين أول خمس دول في العالم بإنتاج القطن الذي يعتبر أساس الصناعة النسيجية العريقة منذ مئات السنين، وقام الصناعيون السوريون بتطوير هذه الصناعة وتحديثها، وتأمين مستلزماتها لاستكمال دورة الإنتاج فيها، كصناعة ملبوسات متنوعة تألقت بجودتها في أكبر الأسواق العربية والعالمية، ويرى رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها سامر الدبس أن قطاع التصدير المتعلق بالصناعات النسيجية مازال من أكثر القطاعات الصناعية نشاطاً وجودة، وقد أثرت الأزمة على هذا القطاع الهام من حيث صعوبة تأمين مستلزمات الإنتاج، وحوامل الطاقة، والشحن والتصدير، ويبذل أعضاء القطاع النسيجي جهوداً كثيرة في المحافظة على سمعة المنتجات النسيجية الوطنية نظراً لخصوصيتها في تنوع منتجاتها، ومواكبتها المستمرة لاحتياجات المستهلك حسب الموضة وفصول السنة التي يتطلب إنتاجها العديد من مستلزمات تلك الصناعة واكسسواراتها التي يتم تأمينها من الدول الخارجية المصنعة لها، لكن الحصار الاقتصادي أثر على مقدراتنا، وتسبب بصعوبة التعاملات المصرفية، وعدم القدرة على تأمين هذه المواد الأولية المتعلقة بهذه الصناعة، ما أدى إلى انخفاض إنتاج المعامل الخاصة بذلك، ومع ذلك مازالت السوق المحلية تتوفر فيها كافة أنواع الصناعات النسيجية، حيث إن أسواق تصدير هذه المنتجات قائمة بنشاطها.
مساعي الغرفة
المنتجات السورية مطلوبة بكافة أسواق الدول العربية، منها العراقية والأردنية، بما فيها الصناعات التصديرية الغذائية والنسيجية والهندسية والكيميائية، حيث أكد الدبس أن أسواق تلك البلاد هي أسواق تصدير حقيقية، خاصة في العراق، والأردن الذي يعتبر بوابة لثماني دول خليجية، وتسعى غرفة صناعة دمشق وريفها للمطالبة بعدة إجراءات لتشجيع الصناعات التصديرية، منها تسهيل حركة دخول كافة التجار الصناعيين من كافة الدول العربية والصديقة، بالإضافة إلى دعم المعارض التخصصية، وأجور الشحن، والتواصل مع كافة السفارات في الدول العربية والصديقة للقيام بحملات ترويجية للصناعات السورية، لاسيما أن التسويق يعتبر من أهم أدوات الترويج الاقتصادي، ويؤدي إلى التعريف بالمنتج الوطني، ولا يمكن دونه أن يتحقق أي ازدهار لأي نشاط اقتصادي، ومن المهم أكثر أن تضع الشركات الصناعية في أولوياتها النشاط التسويقي، أما بالنسبة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتحديداً في ظل الأزمة، فتلجأ هذه الشركات إلى ترويج منتجاتها من خلال المشاركة في فعاليات جماعية تقدم من خلالها منتجاتها، وهو ما تقوم بتنظيمه غرفة صناعة دمشق وريفها، وأدى دوره التسويقي والاجتماعي بنجاح في جميع المحافظات، حيث كان دليلاً واقعياً على نشاط الصناعة السورية وتجاوزها لكافة الصعوبات في تأمين المنتجات الوطنية للسوق المحلية والمجاورة.
واقع المنافسة
العديد من الصناعيين فقدوا الأمل بعمليات التصدير، فالواقع لا يمكّنهم من تطوير عمليات الإنتاج في ظل غياب المواد الأولية، وفقدان حوامل الطاقة، ناهيك عن الصعوبات التي يواجهونها في تأمين مستلزماتهم، وهنا كشف عضو غرفة الصناعة سامر رباطة عن أن القدرة الإنتاجية لا تلبي إلا السوق المحلية، وهي غير قادرة على تغطية الأسواق المحلية، ومعظم المعارض التي تقام هي بالأساس بضائع مصنوعة من أقمشة موجودة في المخازن، وإذا استطعنا الحصول على العقود للتصدير حقاً، فهل لدينا القدرة على الالتزام بها في ظل غياب اللوازم والكهرباء، وفي حال توفرها لا تتناسب تكلفتها مع القدرة التنافسية لباقي المنتجات العربية والعالمية، لأنه في حال استيرادها ستكون مرتفعة مقارنة بتلك المنتجات، أما بالنسبة للمواد الأولية التي تنتج محلياً كالخيوط وغيرها فهي مكلفة أكثر من الاستيراد ذاته، ولا تلبي الطلب من حيث الجودة، ويؤكد رباطة أن الصناعيين يتعرّضون لضغوطات كبيرة في عملية الإنتاج، وهي ليست بالأمر السهل، خاصة القرارات المتعلقة بعمليات التمويل وإعادة القطع الذي لا يدعم الليرة السورية، كما يعتقد البعض، والأهم هو تلبية حاجة الصناعيين، ودعم عملية التصدير التي تعود بالفائدة على قيمة الليرة السورية.
التلاعب بالقرارات
تأمين حوامل الطاقة يعتبر من أكثر المطالب أهمية لدى الصناعيين لما له من تأثير كبير في عملية الإنتاج، ويرى رباطة أن معظم القرارات التي تم اتخاذها مؤخراً بشأن هذا القطاع كانت تحمل الفائدة لبعض التجار، وهم قلة جداً بالنسبة لمجموع الصناعيين الموجودين، وخصصت هذه القرارات لأجلهم فقط، ما يثير الريبة والتشكيك بمصداقية بعض الجهات العامة في تعاملها مع واقع الصناعيين، فالمستفيدون لا يشكّلون عشرة بالمئة ممن لحق بهم الضرر، كما تشكّل معظم هذه القرارات عرقلة لتطور وزيادة الإنتاج، منها احتكار عمليات الاستيراد للمواد الأولية، وإجبار الصناعيين على التعامل معهم بأسعارهم التي يحددونها وبالنوعيات أيضاً، وبالتالي معظم الصناعيين غير قادرين على استيراد وتأمين مستلزماتهم، وهذا يؤثر بشكل كبير على صناعة الألبسة، خاصة أنها متنوعة بشكل كبير، “فأقمشة الرجالي تختلف عن النسائي والأطفال”، وأيضاً عن الألبسة القطنية التي تعتبر أكثر حظاً من باقي الصناعات بسبب توفر موادها بشكل أكثر من غيرها.
مطالب واقعية
معظم صناعيي الألبسة الجاهزة يرون أنه لا توجد نظرة واقعية لمعاناتهم من قبل الجهات المعنية، وهذا من أكثر المسببات التي تؤثر على هذه الصناعة، ما يدفع الكثيرين للمطالبة بإعادة المرونة في استجرار مستلزماتهم، وتأمينها بعيداً عن تعقيدات القرارات التي لم تشكّل أي جانب إيجابي لعملية الإنتاج، بل على العكس ساهمت في تقليص الإنتاج، وافتقار السوق للمنتج الجيد، وغياب فرص التصدير، حيث لا يمكن ربط الأنواع المختلفة لهذه الصناعة بقرار موحد وثابت، وإنما يحتاج إلى التفنيد، والنظر إلى خصوصية كل منتج على حدة، مع المرونة في تنفيذ هذه القرارات، ما يساهم في دعم العملية الصناعية والإنتاج التي بدورها تدعم العملة والاقتصاد الوطني ككل.
ميادة حسن