الكيان الصهيوني قلق من انتقاضه ثالثة
محمد نادر العمري
بعد تمكّن حركات المقاومة في داخل الأراضي المحتلة من خلق توازن الردع وقلب الطاولة على جيش الاحتلال وحكوماته، بات الرعب يهيمن على تصورات الكيان الصهيوني ويتوارد بصورة مستمرة في الآونة الأخيرة من خلال تصريحات المسؤولين الإسرائيليين وفي اجتماعاتهم المغلقة حول المخاوف من اندلاع انتفاضة ثالثة تنهض على خلفية النصر العسكري لفصائل المقاومة، وفشل الكيان والولايات المتحدة الأمريكية وبعض الأنظمة العربية في تمرير ما عُرف بـ”صفقة القرن” حتى نهايته، وفشل المشاريع التدميرية في المنطقة والتي استهدفت سورية وإيران ولبنان، فضلاً عن وعي الرأي العام الغربي واطلاعه على ما يجري بموضوعية داخل الأراضي المحتلة، وتردي الأوضاع الاقتصادية للعرب الفلسطينيين وصعوبة حياتهم المعيشية في ظل انقسام سياسي فلسطيني.
رغم توقع هذه الانتفاضة من قبل العديد من النخب السياسية والعسكرية الصهيونية، إلا أن الخشية في هذا الوقت ألا تكون ساحتها قطاع غزة بل الضفة الغربية التي وصفها تقرير حديث لمركز “بيغن” للدراسات بأنها “تقف على جمرات بركانية وفوقها طبقة رقيقة من الرماد”، وهو ما عبّر عنه صراحة الجنرال المتقاعد من جيش الاحتلال “آفييسسخاروف” بمقال نشره في صحيفة “معاريف” بقوله “إن المشاهد الميدانية القادمة من الضفة الغربية تذكر الإسرائيليين بأيام الانتفاضة الثانية، وبينما تتجه كل الأنظار والخوف إلى قطاع غزة في محاولة لضبط ايقاعها، فإن هناك أحداثاً ما تتحرك في الضفة الغربية وقد تكون مستوحاة من حرب أيار في غزة، وربما بسبب تطورات أخرى، لكن يبدو أن بوابات الضفة لم تعد هادئة كما كانت في السنوات الأخيرة”.
هذا التصريح في غاية الأهمية ولا يمكن اعتباره مجرد مقال سيمرّ مرور الكرام لعدة أسباب:
أولاً: يعتبر آفييسسخاروف من الشخصيات المقربة من الدوائر الأمنية والعسكرية، وشغل لفترة عقد من الزمن حتى نهاية عام 2020، منصب مستشار للشؤون الأمنية للكبينت أو ما يعرف بالحكومة المصغرة.
ثانياً: إن الظروف التي أشار إليها جادة وموضوعية تناولتها الكثير من الدراسات الأمنية وحتى الأمريكية منها، وفي مقدمتها مركز “كارنيغي” لدراسات الشرق الأوسط نهاية شهر تموز الماضي، حيث ألمح في دراسته إلى أن الرأي العام الفلسطيني يزداد تمسكاً بخيار المقاومة، والشعب الفلسطيني ضاق ذرعاً بالوعود الغربية والحصار الكبير عليه وتخاذل العرب وتزايد المستوطنات في ظل عجز الأمم المتحدة على تطبيق القرارات الدولية، لذلك فقد يتجه هذا الشعب نحو انتفاضة جديدة تفرض الأمر الواقع، خاصة وأنها تستند في هذا التوقيت إلى وجود أجنحة عسكرية قوية ومتمكنة.
وما يرجّح هذا السيناريو توفر العديد من الظروف الموضوعية والذاتية التي قد تشكّل مقومات حقيقية لانتفاضة قادمة، يتمثل أبرزها بارتفاع معنويات الشعب الفلسطيني بعد المعركة الأخيرة، كما تعتبر القيادات الأمنية الفلسطينية انتشار “المالتوف” أو ما يعرف بالزجاجات الحارقة، وهي منتشرة وتستخدم بشكل كبير في الضفة أثناء المسيرات أو عبر الإلهاء الليلي، استنزافاً وإرهاقاً للاقتصاد الإسرائيلي، وتبدي الأوساط الصهيونية مخاوف من أن يؤدي ذلك لسقوط اتفاقية عام 2000 بين الكيان والسلطة الفلسطينية، وأن تتحوّل الضفة ساحةً لانتشار المقاومة الشعبية، مع تزايد وجود الأسلحة فيها، وهو ما يشكل خطراً على جنود جيش الاحتلال وقادته، نتيجة الإرادة الفلسطينية في التحرير والتمسّك بالأرض.