الكارثة الأفغانية تدفع أوروبا إلى الاستقلالية
إعداد: عناية ناصر
قدم جوزيف بوريل فونتيليس، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، مؤخراً خطة لتشكيل “قوة تدخل أولية” أوروبية، قوامها 5000 جندي، وذلك في خطوة مثيرة للتفكير في وقت يشدّد الرئيس الأمريكي جو بايدن على أن “أمريكا عادت”.
ويُظهر السبب المباشر لرغبة الاتحاد الأوروبي في تعزيز دفاعه المشترك وتشكيل “قوة تدخل أولية” ارتباك وتردد الدول الأوروبية بشأن انسحاب القوات من أفغانستان، والذي شكل جرس إنذار للاستقلال الذاتي الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي. فقد دفع رفض الولايات المتحدة تأخير الانسحاب الدول الأوروبية لإجلاء مواطنيها وموظفيها، كما لم يكن فشل العملية الأفغانية مجرد “لحظة سايغون” أخرى للولايات المتحدة، ولكن أيضاً للدول الأوروبية التي تبعت الولايات المتحدة في عملية الناتو، علاوة على أن عدم الاستقرار المتجدد في أفغانستان بعد الانسحاب سيؤدي إلى خلق المزيد من اللاجئين، لكن الدول الأوروبية بشكل عام لا ترغب في قبول عدد كبير من اللاجئين الأفغان بعد أزمة عام 2015. بالإضافة إلى ذلك، قد تواجه أوروبا أيضاً تحدياً خطيراً من مخاطر الهجمات الإرهابية العنيفة والجرائم المنظمة وتجارة المخدرات غير المشروعة المصدرة من أفغانستان.
ويبدو أن السبب الجوهري لخطة الاتحاد الأوروبي الخاصة بـ”قوة تدخل أولية” هو عدم الثقة بالولايات المتحدة، فخلال الانسحاب من أفغانستان، لم تقم واشنطن بالتنسيق الاستراتيجي مع حلفائها الأوروبيين على الإطلاق، ما جعل الدول الأوروبية تشك في مصداقية ما يُسمّى “أمريكا عادت”.
في الحقيقة، إن سعي الاتحاد الأوروبي لتحقيق الاستقلال الاستراتيجي له تاريخ طويل، فقد قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في وقت سابق إن على أوروبا أن تحدد مصيرها بنفسها، وأشارت إلى أنه يتعين على الاتحاد الأوروبي أيضاً طرح رؤية للاستقلال الاستراتيجي لتعزيز التكامل الدفاعي الأوروبي.
وبالفعل وسع الاتحاد الأوروبي استقلاليته الاستراتيجية ليشمل المجالات الاقتصادية والصناعية والرقمية. لكن بعد فوز بايدن، بدأ هذا الاتجاه نحو استقلال أوروبا في التذبذب. وكان هناك مقولة شائعة في الكتلة الأوروبية مفادها أنه لا يمكن للولايات المتحدة أن تأخذ أوروبا على محمل الجد إلا إذا استثمرت المزيد من الموارد في العلاقات عبر الأطلسي من خلال التواصل مع الأمريكيين.
لكن مشكلة أفغانستان بددت أماني أوروبا، وليس من المؤكد ما إذا كانت أوروبا قد استيقظت على الحقيقة هذه المرة، أو أنها “سوف تنسى الآلام”. صحيح أن الولايات المتحدة سعيدة برؤية أوروبا تعزز دفاعها وتتقاسم عبء إعادة انتشار القوات الإستراتيجية الأمريكية، لكنها لن تسمح لأوروبا بالخروج من قبضتها.
وقد حذر الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ من أنه على الرغم من ترحيبه بالمزيد من الجهود الأوروبية في مجال الدفاع، إلا أن قوة الرد السريع “لا يمكنها أبداً أن تحل محل الناتو”. ومن ناحية أخرى، فإن إطلاق ونشر “قوة التدخل الأولية” يخضع أيضاً للقيود الداخلية داخل الاتحاد الأوروبي. لقد أنشأ الاتحاد الأوروبي نظاماً من مجموعات القتال بحجم كتيبة قوامها 1500 جندي في عام 2007. لكنه لم يتمكن أبداً من نشر قوة الرد السريع هذه بسبب الانقسامات داخل الاتحاد.
على أي حال، يُظهر الوضع في أفغانستان أنه مع تزايد التحديات حول العالم، من الضروري للصين والاتحاد الأوروبي أن يفهم كل منهما الآخر بشكل صحيح. يجب على الجانبين العمل معاً لمعالجة هذه الشؤون العالمية. لذلك، في التطور المستقبلي للعلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي، تحتاج أوروبا إلى تعزيز إجراءاتها الاستراتيجية المستقلة في المجالات العسكرية والاقتصادية والصناعية وغيرها، ولا ينبغي لها أن تتبع الولايات المتحدة على نحو أعمى وأن تصبح بيدقاً في مواجهة الصين، وإلا فإنها ستدفع التعاون بين الصين وأوروبا إلى المسار الخاطئ، بل والمواجهة. في المقابل يجب أن تكون “قوة التدخل الأولية” الأوروبية بمثابة دعم لمساهمة الاتحاد الأوروبي في السلام العالمي والإقليمي. وإذا كانت الدول الأوروبية ستختار المسار الخطأ، فسوف ينتهي بها الأمر بتكرار “كارثة” أفغانستان.