ملفات تقتحم أجندة الأمم المتحدة وكورونا تختبر سلطتها
تستعدّ أروقة الأمم المتحدة لاستقبال قادة ورؤساء الوفود من حول العالم، لعقد اجتماعاتها السنوية، في مقرها بمدينة نيويورك.
ولن تكون اجتماعات الأمم المتحدة في هذه الدورة مثل سابقتها، التي عُقدت عن بعد، لكن تقليص عدد الوفود بسبب كورونا يلقي بظلاله على الأجندة، وأثر في قائمة الحضور، وسيؤثر في زخم المستمعين للكلمات حضوريا.
وتبدأ الثلاثاء الاجتماعات رفيعة المستوى للدورة السادسة والسبعين، لاجتماعات الأمم المتحدة، بمقر المنظمة الدولية بنيويورك، حيث يلقي رؤساء الوفود المشاركة خطاباتهم، بشكل حضوري أو عن طريق الفيديو.
ولا يُنتظر زخم كبير في الحضور على مستوى القادة؛ رغم تأكيد بعض الرؤساء إلقاء خطاباتهم حضوريا، وقرار آخرين إرسال خطابات مسجلة تعرض خلال أسبوع اجتماعات الأمم المتحدة، الذي ينتهي السبت المقبل.
أجندة الاجتماعات
وستكون على أجندة هذه الأيام التي تبدأ بمناقشات تستمر من التاسعة صباحا، وحتى التاسعة ليلا، تتخللها استراحات، مواضيع من أبرزها بحث أهداف الأمم المتحدة في مجال الحقوق والمساواة، والحدّ من انتشار الأسلحة النووية.
وكما هو معلن على موقع الأمم المتحدة الإلكتروني، ستحتفل المنظمة الدولية في هذه الاجتماعات بالذكرى السنوية لاعتماد برنامج عمل “ديربان”، الذي يهدف لجبر الأضرار وتحقيق العدالة العرقية والمساواة للسكان المنحدرين من أصل أفريقي.
واعتٌمد إعلان ديربان في المؤتمر العالمي لمناهضة العنصرية في ديربان بجنوب أفريقيا، عام 2001؛ وهو وثيقة شاملة وعملية تقترح تدابير ملموسة لمكافحة العنصرية والتمييز على أساس العرق، أو ضد الأجانب.
وسيحي المجتمعون في الأمم المتحدة أيضا اليوم الدولي للإزالة الكاملة للأسلحة النووية والترويج لها، وسط تطورات كبيرة، في سباق التسلح، إضافة إلى انتشار الأسلحة النووية في عدد من دول العالم.
وكان هذا الموضوع محلّ أول قرار الأول للجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1946، ضمن جهود الهيئة المستمرة لتعزيز نزع السلاح النووي، وهدفها الأساسي لنزع السلاح العام الكامل من الوجود.
إضافة إلى الأجندة الرسمية المعلنة في جدول اجتماعات الأمم المتحدة، ستفرض ملفات دولية كثيرة نفسها على كلمات القادة ورؤساء الوفود المشاركين، وستكون التطورات في أفغانستان، وسباق التسلح في شبه الجزيرة الكورية، وملف إيران النووي، على طاولة النقاشات الثنائية، في الخطابات الرسمية.
أبرز الحاضرين والغائيبن
ويعتزم قادة نحو 100 دولة حضور اجتماعات الدورة 76 للجمعية العامة السنوية للأمم المتحدة، من بينهم: الرؤساء الأمريكي جو بايدن والبرازيلي جاير بولسونارو والألماني فرانك فالتر شتاينماير والفنزويلي نيكولاس مادورو ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون.
وسيكون أبرز الغائبين عن الاجتماع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي بررت أوساطه عدوله عن الحضور بالقيود الصحية المفروضة، لكنه أوكل إلقاء خطابه إلى وزير خارجيته جان إيف لودريان، على خلاف قادة آخرين سيلقون كلماتهم عبر الفيديو.
في الأثناء، يبدو أن فرض إجراءات كورونا، خلال اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك، لم يخلٌ من جرعة سياسية، اختبرت حدود سلطة المنظمة بمقرها الدائم.
تناغم قرار الأمم المتحدة مع سلطات نيويورك، أثار جدلا محتدما، وانتقادا واسعا لتلك الإجراءات التي تربط دخول الرؤساء وقادة الوفود لمنطقة تعتبر نظريا خارج حدود الولايات المتحدة، بتوفر لقاح فيروس كورونا.
القرار سبّب اضطرابا في الجمعية العامة للأمم المتحدة حتى قبل افتتاح جلسات المناقشات رسمياً الثلاثاء؛ وحملت موسكو لواء الدفاع عن الحرية في الدخول والخروج دون التقيد بما تفرضه واشنطن.
وتطلب سلطات مدينة نيويورك إبراز وثيقة تثبت تلقي اللقاح في كافة الأماكن المغلقة، واعتبرت الجلسات في قاعات الأمم المتحدة مكانا مغلقا، يفترض الحزم معه في اتباع إجراءات كورونا.
وتتمتع الأمم المتحدة بميزة أن مقارها تُعتبر خارجة عن الحدود المحلية، غير أن السلطات الأمريكية وشرطة نيويورك، يمكن أن تدخل إليها، في حال حصول جرم أو مخالفة، بشرط أن تسمح لها إدارة الأمم المتحدة بذلك، وفق المتحدث باسم المنظمة ستيفان دوجاريك.
وكتب رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة عبد الله شاهد، الخميس، رسالة لمندوبي الدول الأعضاء لتوضيح أنه تمّ تمديد النظام الساري منذ ربيع العام 2020، وهو أن عبور البوابات الأمنية مرتبط بتقديم “تصريح شرفي” بأن الشخص لا يحمل الفيروس، من خلال تقديم شهادة تلقيح أو فحص سلبي أو الإقرار بعدم ظهور أية عوارض عليه.
وكانت مدينة نيويورك قررت الشهر الماضي، فرض إبراز وثيقة تثبت تلقي اللقاح (جرعة واحدة على الأقلّ) على أي شخص يدخل إلى أماكن مغلقة، على شكل شهادة أو رمز الاستجابة السريعة، وبدأ العمل بهذا الإجراء يوم الإثنين الماضي.
قبل دخول القرار حيز التنفيذ بأربعة أيام في نيويورك، وجّهت رئاسة البلدية كتاباً لرئيس الجمعية العامة لإبلاغه بأن “جميع الأشخاص” الذين يدخلون إلى مقرّ الأمم المتحدة، ينبغي أن يُثبتوا أنهم ملقحون.
وأيّدت إدارة مدينة نيويورك فكرة أن قاعات الأمم المتحدة هي “مركز للمؤتمرات” وتُعتبر مكاناً مغلقاً.
كذلك فعلت السلطات السياسية الأمريكية، التي أيدت هي الأخرى القرار بدعم عالي المستوى؛ إذ قالت مندوبة الولايات المتحدة بالمنظمة، ليندا توماس-غرينفيلد، إنها تخشى أن تتحوّل الجمعية العامة الـ76، مع آلاف المشاركين فيها، إلى “حدث ينشر” فيروس كورونا.
روسيا تحتج
هذا القرار الذي فرضته السلطات الأمريكية، وسايرته إدارة الأمم المتحدة، أثار غضب روسيا، فوراً، حيث ندّدت موسكو في اليوم التالي، في كتاب بإجراء ما سمته “التمييز”؛ الذي يتعارض مع ميثاق ال الهيئة الأممية.
وأشارت موسكو في اعتراضها إلى أن ليس كل اللقاحات معترفاً بها من جانب السلطات الصحية الدولية والأمريكية؛ في إشارة إلى أن منظمة الصحة العالمية لم تصادق على لقاح سبوتنيك-في الروسي.
ومؤيدا للموقف الروسي في رفض الوصاية الأمريكية، أكد الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو أنه سيأتي حتى لو لم يكن ملقحا.
التصريح الشرفي المنقذ
أمام هذا الضغط وفي ظل عزوف عن الحضور إلى اجتماعاتها من قبل دول عديدة، تراجعت إدارة الأمم المتحدة عن قرارها؛ حيث أوضح الأمين العام أنطونيو جوتيريش أنه لا يملك سلطة فرض إلزامية التلقيح.
وتبعه رئيس الجمعية العامة بإصدار توجيه جديد للدول الأعضاء يوضح أن نظام “التصريح الشرفي” لا يزال سارياً؛ غير أن قيودا صحية صارمة ستكون متبعة، بما في ذلك وضع الكمامات والالتزام بالتباعد الاجتماعي مع حضور سبعة أشخاص كحدّ أقصى من كل وفد إلى مقرّ الأمم المتحدة.