حلم الاتحاد الأوروبي
إعداد: عائدة أسعد
أشادت أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية في خطابها الأخير عن حالة الاتحاد بإنجازات الاتحاد الأوروبي في مكافحة جائحة الفيروس التاجي، وأعلنت عن قانون رقائق أوروبي جديد، وصندوق مناخ اجتماعي جديد، وحزمة دعم جديدة لأفغانستان، وشدّدت على الحاجة إلى اتحاد دفاع أوروبي، وكشفت عن إستراتيجية اتصال جديدة تحت مسمّى “البوابة العالمية”، وقالت: “نحن ندخل حقبة جديدة من التنافسية المفرطة ويتوجب على أوروبا أن تصبح لاعباً عالمياً أكثر نشاطاً”.
وأمام هذه الكلمات، يبدو أن الاتحاد الأوروبي لم يعد راضياً عن كونه لاعباً اقتصادياً رئيسياً، ولا بد أن يتحوّل إلى قطب حيوي للقوى الجيوسياسية المستقلة استراتيجياً في العالم، وتلك هي الرؤية نفسها التي أشارت إليها فون دير لاين عندما أقسمت على قيادة لجنة جيوسياسية بعد فترة وجيزة من توليها منصبها.
لقد أعرب الاتحاد الأوروبي عدة مرات عن رغبته في تعزيز القدرة الدفاعية، وحسب ما أشارت إليه فون دير لاين يجب أن تكون أوروبا قادرة وراغبة في القيام بالمزيد من تلقاء نفسها، معلنةً أنه في ظل الرئاسة الفرنسية المقبلة لمجلس الاتحاد الأوروبي سيتمّ عقد قمة حول الدفاع الأوروبي.
يعتقد العديد من الأوربيين أن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان هو حافز للاتحاد الأوروبي لاتخاذ خطوات كبيرة إلى الأمام في تعزيز دفاعه، فأوروبا لا تعارض الانسحاب فحسب بل تعارض أيضاً الطريقة التي تمّ بها الانسحاب، ويرون أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان هو علامة على عودة الولايات المتحدة إلى الانعزالية، وأنها أصبحت شريكاً غير موثوق، وذلك ما أكده فينغ تشونغ بينغ مدير معهد الدراسات الأوروبية بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية بالقول: “إنهم يريدون تقليل اعتمادهم على واشنطن”.
ربما نسق الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بشكل وثيق في الشؤون العالمية، وخاصةً فيما يتعلق بإستراتيجية الصين، لكن الخلافات بينهما آخذة في الازدياد. وحسب سون كيكين، الزميل الباحث في معاهد الصين للعلاقات الدولية المعاصرة، فإن الاتحاد الأوروبي يرغب في الاحتجاج على ميزة التفوق الأمريكي في النظام العالمي، بينما تهدف الولايات المتحدة إلى الحفاظ على هيمنتها. فمن الناحية الاقتصادية دأبت واشنطن على الترويج لـ”فك الارتباط” مع الصين، لكن معظم الدول الأوروبية تعارض هذه الدعوة لأنها لن تضحي إلا بفرص التنمية والمصالح العملية الخاصة بها. وعلى ما يبدو كان الرئيس الأمريكي جو بايدن يحاول مداواة الجروح في العلاقة عبر الأطلسي، لكنه لم يحقق الكثير ولا تزال الخلافات التي تتراوح بين مشروع خط أنابيب الغاز “التيار الشمالي 2” الذي تشغله شركة “نورد ستريم 2 إيه جي” والسياسة تجاه إيران قائمة.
لذلك يبدو أن دبلوماسية المصالح لدى الطرفين تكتسب الزخم، فعلى سبيل المثال اقترحت فون دير لاين الأربعاء الفائت فرض حظر على المنتجات المصنوعة عن طريق العمل القسري دون تسمية أسماء، وفي اليوم نفسه أعلنت الولايات المتحدة عن اتفاقية “أوكوس”، وهي شراكة أمنية ثلاثية بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، لتقديم أسطول غواصات يعمل بالطاقة النووية لأستراليا للقيام بدوريات في المحيطين الهندي والهادئ، ولم يتمّ ذكر الصين أيضاً، لكن الجميع يعرف من يستهدف التحالف الجديد. وحسب سون كيكين، قد يتزايد خطاب الاتحاد الأوروبي المتشدّد بشأن الصين، لكنه لن يجرؤ على التطرف مثلما فعلت الولايات المتحدة، وهناك قلق واضح بشأن ما إذا كانت سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه الصين ستتغيّر بعد تنحي المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
إن الدبلوماسية الأوروبية مدفوعة بعجلة المصالح، وبمجرد أن تعمل دبلوماسية المصالح سيظهر تأثير “الباندول” المسكن الذي يهدف الاتحاد الأوروبي من ورائه إلى أن يصبح قوة جيوسياسية ليس فقط استجابة لعصر منافسة القوى الكبرى، ولكن أيضاً نتيجة فقدان الثقة بالولايات المتحدة، فهل يستمر الطرفان بالتعاون في إطار تحالف أصبح إطارا متهالكاً؟.